[معنى قوله: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم)]
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} [الأحزاب:٢٥] فهؤلاء المشركون -كفار قريش وغطفان- رجعوا بغيظهم لم ينالوا خيراً.
أما اليهود الكفرة المجرمون فقال: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب:٢٦].
وظاهر بمعنى: ناصر وأيد، وكان معه ظهيراً أي: مدافعاً عنه، ومقوياً له، فاليهود ظاهروا الكفار أي: قووهم وقالوا: نحن معكم، اليهود من وراء النبي صلى الله عليه وسلم، والكفار من أمامه من المشرق والمغرب، فإذا بالله يخذل الجميع، وأنزل هؤلاء الكفرة من بني قريظة من اليهود من صياصيهم.
{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب:٢٦] والصياصي: الحصون، فأنزلهم الله عز وجل من حصونهم يعني: مكان مناعتهم وقوتهم، فهذا هو معنى الصيصية للشيء أنه الذي يدفع به عن نفسه، ومنه يقال: صياصي البقر أي: قرونها؛ لأنها تدفع بقرونها عن نفسها، وكأن الصياصي مكان الدفع عن الإنسان والمكان الذي يتحصن فيه.
فبنو قريظة تحصنوا في حصونهم فأنزلهم الله سبحانه وتعالى من حصونهم، واليهود دائماً وأبداً يجهزون لأنفسهم ويعملون حساب القتال، فيملئون الحصون طعاماً وشراباً بحيث يقعدون فيها سنين من غير ما يقدر أحد أن ينزلهم منها، ولكن أنزلهم الله تبارك وتعالى رغم أنوفهم، فرفضوا أن ينزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وارتضوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وظنوا أنه سيجاملهم، وأنه كالمنافق عبد الله بن أبي ابن سلول لعنة الله عليه الذي جامل اليهود ومات على كفر ونفاق، وحاشا لله أن يكون سعد بن معاذ كذلك، وإنما هو الرجل التقي النقي المحب لله عز وجل ولرسوله صلوات الله وسلامه عليه، فأنزلهم الله سبحانه من حصونهم.
قوله: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الأحزاب:٢٦] فقد كانوا متحصنين ومستعدين أن يمكثوا أشهراً طويلة في هذه الحصون، ولكن الله سبحانه له جنود يلقون الرعب في القلوب فأرعبهم فإذا بهم يخافونه، وينزلون من حصونهم، وقد قال لهم أبو لبابة بن عبد المنذر: إنما هو الذبح، فازداد رعبهم، ونزلوا ليذبحوا ويقتلوا فقتل منهم ما بين الستمائة إلى السبعمائة إلى لعنة الله سبحانه تبارك وتعالى، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهم وحكم فيهم سعد بن معاذ بحكم الله سبحانه، فقتل هؤلاء.
قال الله سبحانه: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب:٢٦] قتلتم فريقاً من هؤلاء اليهود، وأسرتم آخرين كان حكم سعد بن معاذ أن تقتل المقاتلة من اليهود، ويؤخذ النساء والصبيان أسارى وسبياً، فالله عز وجل من على المؤمنين بذلك.
{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب:٢٦] وهذه قراءة الجمهور: {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب:٢٦].
وقرأ يعقوب: (مِنْ صَيَاصيهُمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)).
و (الرعب): قراءة الجمهور فيها بتسكين العين، وقراءة ابن عامر والكسائي.
وأبو جعفر ويعقوب: (الرُّعُبَ) بضم العين.
وفي وصل (قلوبهم الرعب) قراءات للقراء، فيقرأ يعقوب: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمِ الرُّعْبَ) بكسر الهاء والميم على الوصل بالكلمتين.
وقرأ الكسائي: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهُمُ الرُّعُبَ) بضم الهاء والميم وبضم العين أيضاً.
وقرأ ابن عامر وأبو جعفر: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعُبَ)) على قراءة غيرهم أنه بكسر الهاء في قلوبهم، وبضم الميم على الوصل، و (الرعب) بضم العين فيها.
وقرأ: (فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعُبَ) حمزة والكسائي وخلف.
وباقي القراء: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهُمُ الرُّعْبَ).