[تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآيتنا فقالوا ساحر كذاب)]
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة غافر: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:٢٣ - ٢٧].
يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآيات أنه أرسل موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بآيات من عنده سبحانه، وهي المعجزات التسع: اليد، والعصا، والسنين، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وأرسل الله سبحانه تبارك وتعالى عليهم الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات، فالله سبحانه جعل هذه آيات لقوم فرعون حتى يعودوا إلى ربهم سبحانه وتعالى ويتركوا كفرهم، فأبوا إلا أن يستمروا على ذلك.
قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [غافر:٢٣]، أي: حجة بينة واضحة، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٤].
إلى فرعون الذي زعم أنه إله، وطلب من قومه أن يعبدوه من دون الله سبحانه، ثم زعم أنه رب، واستخف عقول قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين.
وهامان هو وزير فرعون، ذلك المجرم الذي ينفذ لفرعون ما يريد، قال تعالى عنهما: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٦ - ٣٧] فاستجاب لفرعون وبنى له برجاً عالياً حتى يرقى عليه فرعون، ويزعم أنه نظر في السماء فلم يجد فيها إلهاً، وصدقه قومه لكفرهم، خدعهم فرعون فانخدعوا وكانوا خفاف العقول، كما وصفهم الله عز وجل بقوله: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:٥٤].
وقارون كان قريباً لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قالوا: إنه كان ابن عم له عليه الصلاة والسلام، هذا موسى المؤمن رسول رب العالمين، وذاك قارون الكافر من بني إسرائيل، كان يحسد موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فآتاه الله عز وجل كنوزاً عظيمة، فكان يؤمر بأن ينفق على الفقراء لكنه كان يستكبر عن ذلك، وينظر إليهم بأنهم لا يستحقون، فهو صاحب هذه الكنوز العظيمة، وربما تنتهي عليه، فكان موسى يقول له: أنفق على بني إسرائيل، ولكنه كان متكبراً مغروراً، يتقرب إلى فرعون مع معرفته بالحق الذي مع موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
فقال هؤلاء الثلاثة ومن معهم: {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٤]، قالوا عن موسى عليه الصلاة والسلام لما رأوا الآيات البينات: {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٤]، كما قال تعالى في آية أخرى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الزخرف:٤٩]، وذلك حين جاءتهم الآيات من عند الله سبحانه آية وراء آية، فكلما ازداد عليهم الضيق يهرعون إلى موسى ويقولون: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف:١٣٤]، فعندما يكشف الله عز وجل عنهم العذاب {إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} [الأعراف:١٣٥]، فلم يستقيموا على طريقة أبداً مع موسى عليه الصلاة والسلام، فقالوا: هذا ساحر، ووصفوه بأنه كذاب.
وهنا عندما يذكر الله عز وجل ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة الكريمة -سورة غافر- وهي من السور المكية؛ فكأنه يطمئن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: لست أول من قيل لك: إنك كذاب، فقد قالوا قبل ذلك لموسى وقالوا لنوح عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقالوا لغيرهم من الأنبياء والرسل، قالوا عنهم: سحرة، وقالوا عنهم: إنهم كذابون، وقالوا عنهم: إنهم مجانين، وقالوا ما قالوا عن رسل الله، ولذلك فالإنسان الذي يدعو إلى الله لا ينتظر أن تكون الطريق التي يدعو فيها إلى الله عز وجل مليئة بالورود، وأنها ممهدة له، بل كما ورد في الحديث: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه)، فيأتي البلاء من الله عز وجل لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام؛ ليثبتهم ويثبت من معهم، وحتى يميز الخبيث من الطيب، فالمؤمن يثبت على طريق الله سبحانه وتعالى، والذي في قلبه مرض يتزلزل ويتزعزع ويترك وينصرف عن دين الله سبحانه وتعالى، فهذا موسى قالوا عنه: ساحر، وقالوا عنه: كذاب، وكذلك قالوا عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه مثل ذلك.