تفسير قوله تعالى:(بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون)
قال تعالى:{بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[فصلت:٤] أي: جاء القرآن بالبشارة وجاء بالإنذار، يبشر المؤمنين ويخبرهم بما يسرهم وبما يفرحهم، فتظهر أثر الفرحة على وجوههم، يفرحون ويسرون بما يقوله الله وبما يعدهم من جنات ونعيم.
ونذيراً لقوم يكفرون ويعرضون عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستجيبون له صلوات الله وسلامه عليه، فالقرآن ينذر من أعرض عن الله، ومن أشرك به، ومن عبد غيره، ومن عاند النبي صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى:{فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ}[فصلت:٤] أي: أكثر هؤلاء الذين استمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم أعرضوا عنه، وهذه عادة الأقوام مع رسلهم، فأول ما يواجه الأقوام المرسلين بالإعراض والإنكار والتوبيخ والتسفيه والرمي بالكذب، كذا فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[فصلت:٤]، صحيح أنهم قالوا: إن له لحلاوة، وعليه لطلاوة، ولكنهم سمعوا سمعاً لا ينتفعون به، فهم بلا سمع، كما أن الإنسان الذي يعلم علماً لا ينتفع به، كأنه لا علم عنده، فأخبر الله عز وجل عن المشركين فقال:{فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[التوبة:٩٣]، لكنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا؛ لأن علمهم لا يتعدى الدنيا إلى ما عند الله سبحانه وتعالى من جنة ونار، ولا يتعدى إلى إيمان ويقين، كأنهم لا علم عندهم كذلك، قال الله تعالى هنا:{فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[فصلت:٤] أي: لا يستمعون استماعاً ينتفعون به، وإنما مجرد سماع كلمات تدخل في آذانهم، وهم يعلمون أنهم لا يقدرون أن يأتوا بمثلها، ومع ذلك يعرضون ويكذبون، فسمعوا ولم يفهموا ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، كما ستأتي في قصة عتبة بن ربيعة الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستمع إليه فتلا عليه هذه الآيات، ومع ذلك لم يفهم منها إلا التخويف فناشده الله والرحم ألا ينزل الله عز وجل عليهم عذاباً، ومع ذلك أعرض عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذب! أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.