وللعلماء كلام عظيم في مبدأ الشورى، يقول ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: فصل في التزام المشورة في الأمور كلها ومعنى قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران:١٥٩].
قال: قال المروزي: كان أبو عبد الله -يقصد الإمام أحمد رحمه الله- لا يدع المشورة، يقتدي بالنبي صلوات الله وسلامه عليه فيما أمره الله عز وجل به في قوله:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران:١٥٩]، يقول: حتى إنه كان ليشاور من هو دونه فهذا إمام من الأئمة العظام رحمه الله ورضي الله عنه، وهو الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، الفقيه العظيم العالم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، والذي حفظ من المتون ومن الأحاديث ما لم يكن يحفظ أحد مثله رحمه الله، فقد قالوا: إنه حفظ ألف ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والتابعين وغيرهم من أحاديث موصولة بأسانيد كثيرة، ومن أحاديث منقطعة، ومن آثار عن الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم وغير ذلك مما حفظه، فكان فقيهاً عظيماً، وإماماً من أئمة أهل السنة، ابتلي فصبر ودافع عن دين الله عز وجل، حتى توفي وهو على منهج النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه.
فكان رحمه الله يتبع النبي صلى الله عليه وسلم في الشورى، حتى إنه ليشاور من هو دونه، وليس هذا عيباً أن الإنسان يستشير غيره، ويأخذ برأي غيره، ويستفيد منه، فلعله يكون عند نفسه مصيباً، فإذا استشار بان له الخطأ في رأيه، وهذا من عظمة الشورى.
يقول: وكان إذا أشار عليه من يثق به، أو أشار عليه من لا يتهمه من أهل النسك من غير أن يشاوره قَبِل مشورته، وكان إذا شاوره الرجل اجتهد له رأيه، وأشار عليه بما يرى من صلاح، وكان يستشير الناس، فإن جاءه أحد من أهل الصلاح المتمسكين والمتعبدين يشير عليه برأي قبل رأيه وأخذ بنصيحته، وهو أيضاً إذا جاءه إنسان يطلب منه النصيحة والمشورة أشار عليه، واجتهد له برأيه رضي الله عنه ورحمه.