للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نزول العذاب على قوم صالح]

فلما أرادوا أن يصنعوا ذلك حذر الله عز وجل نبيه، وأمره أن يحذر القوم فإن العقاب سينزل بهم، قال تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} [الشعراء:١٥٧]، وذلك أن نبيهم عليه الصلاة والسلام قال لهم: انتظروا ثلاثة أيام، وترقبوا عذاب الله سبحانه وتعالى في دياركم ثلاثة أيام، وهذه آية من الله عز وجل أخرى لهؤلاء القوم، قال تعالى في سورة هود: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود:٦٥] أي: آية من آيات الله أن يمهلكم ثلاثة أيام، وبعد اليوم الثالث يأتيكم العذاب من عند رب العالمين.

وقد ذكر البعض من المفسرين أنه قال لهم: الآية فيكم أن تجدوا ألوانكم تتغير، فتصغر وجوهكم في اليوم الأول، وتحمر في اليوم الثاني، وفي اليوم الثالث تسود وجوهكم، ويأتيكم العذاب من عند رب العالمين، فقالوا له: إن لم يأت ذلك لنقتلنك، فأصبحوا على ما ذكر لهم من العلامة، فأصبحوا نادمين في وقت لا ينفع فيه الندم، وقد ذكر لنا الله عز وجل على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن الندم توبة، وأن الإنسان إذا تاب إلى الله عز وجل فإن الله يتوب عليه، وهؤلاء ندموا ولم ينفعهم ذلك؛ لأنهم رأوا آية من آيات الله سبحانه، وقد كانوا قبل ذلك يكذبون بها.

فأصابهم الرعب عندما تغيرت وجوههم، وجلسوا ينتظرون العذاب وهم في غاية الرعب من الله عز وجل، وفي اليوم الثالث جاءتهم الرجفة والصحية، وأهلك الله عز وجل الجميع، وجعلهم آية من الآيات، قال سبحانه في سورة هود: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} [هود:٦٦]، فجاءت الرحمة من عند رب العالمين لصالح وللمؤمنين، كما قال تعالى: {بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود:٦٦] أي: لم نخزهم ولكن نجيناهم، {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود:٦٧ - ٦٨].

فجاءتهم صيحة من السماء، ورجفت بهم الأرض، فخروا كلهم ميتين، كما قال الله سبحانه: {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:٦٧]، وهو مأخوذ من قولهم: جثم الطائر على الأرض، أي: سقط على الأرض.

قال تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [هود:٦٨] من قولهم: غنى بالمكان، أي: أقام بالمكان.

فكأنهم لم يقيموا بها، فأين ذهبت أعماركم الطويلة؟ وأين ذهبت أفعالكم التي ظننتم أنها عظيمة وجليلة؟ وأين الحصون والقصور؟ وأين الجبال؟ أين ذهب ذلك كله؟ فكأنهم لم يغنوا فيها ولم يعيشوا أبداً، فقد جاءتهم الصيحة من عند رب العالمين فهلكوا كلهم، قال الله سبحانه: {أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود:٦٨].

وهنا في سورة الشعراء يقول سبحانه: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [الشعراء:١٥٧ - ١٥٨] أي: بعد ثلاثة أيام من الرعب، فقد عاملهم بالتخويف الشديد الذي لا ينفع معه الندم، ثم جاءت الصيحة والرجفة فأخذهم سبحانه، قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [الشعراء:١٥٨] أي: آية عظيمة من آيات رب العالمين يعتبر بها كل إنسان مؤمن يخاف من الله سبحانه، ويعلم عقوبته، ويعلم كيف ينتقم ممن عصاه، {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:١٥٨].

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:١٥٩] أي: إن الله هو العزيز الغالب القاهر الذي لا يمانع أبداً سبحانه، ومهما استطال الإنسان وأملى له ربه فإنه آخذه أخذ عزيز مقتدر، ومع ذلك فهو الرحيم لمن تاب وأناب قبل أن يأتي العذاب.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>