تفسير قوله تعالى:(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً)
قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ}[العنكبوت:٦٨] كذب الكفار على ربهم سبحانه وتعالى، وزعموا أن هذا القرآن ليس كلام رب العالمين، إنما يعلمه بشر، وإنما يعلمه رجل باليمامة اسمه الرحمن، وإنما يعلمه رجل أعجمي، فكذبوا وافتروا على الله الكذب، وكذبوا على النبي صلوات الله وسلامه عليه.
ولمَّا أخبرهم الله عز وجل عن هذا المكان الآمن، كيف أمنهم فيه، وجعل الناس من حولهم يخطف بعضهم بعضاً، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:{إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}[القصص:٥٧]، كما في سورة القصص، فقال الله سبحانه:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}[القصص:٥٧ - ٥٨].
فقد كذبوا بما يقوله الله سبحانه وتعالى، وقد أمنهم في ديارهم، فقالوا: سنتخطف من أرضنا، لا نستطيع أن نؤمن معك لكيلا نتخطف من أرضنا، وقد أخبرهم الله عز وجل بأنهم آمنون، قال تعالى:((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا))، فما الذي سيجعلكم تتخطفون من دياركم؟ وما الذي سيجعل الكفار يأتون إليكم إذا أسلمتم وأنتم في بلادكم؟ والله يدافع عن حرمه وعن بلده سبحانه وتعالى.
قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[العنكبوت:٦٨]، فادعى لله الصاحبة، وادعى لله الولد، أو كذب بالحق وبالقرآن الذي جاء من عند رب العالمين، قال تعالى:{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}[العنكبوت:٦٨]، فقوله:((أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ))، استفهام، والمعنى فيه التقرير، أي: أنه فعلاً فيها، والمثوى: دار الإقامة، والمستقر أي: أليس في جهنم مستقر للكافرين؟ بلى، فيها المستقر للكافرين، يستقرون فيها ولا يخرجون منها أبداً، ولا يموتون ولا يحيون فيها، لا حياة كريمة، ولا موتاً يريحهم، وإنما العذاب الأليم.