[تفسير قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير لهم)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الحج: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:٣٠ - ٣١].
ذكر لنا ربنا سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات أن من يعظم حرمات الله سبحانه فذلك خير له عند ربه، وحرمات الله سبحانه وتعالى المقصود بها هنا: أعمال وأفعال الحج المشار إليها في الآية السابقة بقوله سبحانه: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩].
وقد تأتي كلمة الحرمات بمعنى العموم، أي: أمر الله سبحانه تبارك وتعالى به في دينه، من أوامر، وفرائض، وسنن، فالذي يعظم أوامر الله عز وجل ويعمل بها، مطيعاً لرب العالمين سبحانه، فهذا له خير عند الله سبحانه، وأفضل له أن يطيع الله سبحانه وتعالى فذلك هو الخير، بل أعظم الخير عند الله سبحانه.
قال تعالى: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ} [الحج:٣٠]، ذكرنا في الحديث السابق: أن الله عز وجل من على عباده بأن أنزل لهم ثمانية أزواج من الأنعام، من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، فهذه هي بهيمة الأنعام التي أنزلها الله عز وجل لعباده، خلقها لهم، وجعلها مسخرة تحت أيديهم، يأكلون منها، وينتفعون بألبانها، وأشعارها وأوبارها وأصوافها، وهذا من فضله سبحانه تبارك وتعالى.
ثم استثنى فقال: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [الحج:٣٠] يعني: من تحريم الميتة، ومنها الموقوذة، والنطيحة، وما أكل السبع، فهو حرام.
قال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:٣٠]، فنهانا سبحانه تبارك وتعالى عن عبادة غير الله سبحانه، وسمى الأوثان والأصنام التي يعبدونها من دون الله رجساً، وأصل الوثن: هو التمثال أو الشيء الذي يكون ثابتاً في مكانه، ويكون من خشب أو من حديد، أو من ذهب، أو نحو ذلك، فقالوا: وثن الشيء أي: قام في مقامه، فسمي الصنم صنماً؛ لأنهم يثبتونه في مكانه، ويعبدونه من دون الله سبحانه تبارك وتعالى.
فهنا ذم الله الأوثان وقال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج:٣٠]، فوصف الأوثان بأنها رجس، وأنها قذر نتن، وأنها شيء يشوش على الناس عقائدهم، ويجعل في قلوبهم الرجس والنجاسة القلبية المعنوية من الشرك بالله سبحانه تبارك وتعالى وغيره.
فقال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج:٣٠]، فكأنه نهاهم سبحانه تبارك وتعالى عن الرجس عامة، وخاصة الأوثان وما كان مثلها، وبين أن الرجس من الأوثان عبادة لغير الله سبحانه.