[تفسير قوله تعالى:(أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم)]
قال الله:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ}[الزخرف:٨٠]، بل أيظنون ذلك:((يَحْسَبُونَ)) بفتح السين قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة وأبي جعفر، وباقي القراء:(أم يحسِبون) بكسر السين فيها.
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ}[الزخرف:٨٠] أي حديث سرهم، والسر ما أخفاه الإنسان في نفسه، والنجوى سر ولكن يظهره لزميله، فيسر الإنسان شيئاً في نفسه، ولا يطلع عليه غيره، والنجوى حديث السر بين اثنين أو عشرة أو عشرين، فيسرون هذه المناجاة والمكالمة والمحادثة مع بعضهم بعضاً، فهل يظنون إذا أسر أحدهم في نفسه شيئاً أننا لا نطلع عليه؟ هل يظنون إذا كلم أحدهم الآخر وهمس له أننا لا نطلع على ذلك؟ بل نحن نعلم ذلك، وملائكتنا يكتبون ويحصون عليهم ذلك.
وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه كان مختبئاً خلف الكعبة، فإذا بثلاثة نفر يأتون إلى الكعبة، ثقفيان وقرشي، أو ثقفي وقرشيان، قال: كثيرة شحوم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، أي عندهم غباء لا يفهمون، جاءوا إلى الكعبة وابن مسعود مستخف، بعد أن أسلم رضي الله عنه، كانوا يريدون تعذيبه فتخفى وراء الكعبة، فقال أحدهم للآخرين: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر: أحسب أنه يسمع ما نجهر به، أما ما أخفيناه فلا يعلمه! فقال الثالث: إذا علم جهرنا سيعلم تهامسنا، فكان أعقلهم هذا الثالث وهو الأخنس بن شريق أو صفوان بن أمية فسمع ابن مسعود هذا الذي قالوه، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف:٨٠]، فهل يظنون أننا لا نعلم نجواهم ولا سرهم؟ بلى نعلم هذا كله، ونكتب عليهم ونحصي عليهم ذلك، (ورسلنا لديهم يكتبون)، وإذا كتبت رسل الله ذلك، فمعناه أنهم سيحاسبون على هذا يوم القيامة، وتأتي الصحيفة شاهداً على ما يقولون، كما قال الله:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:١٤].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.