[يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء]
الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة القصص: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:٥٦ - ٥٨].
يخبرنا الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات بقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦]، فيخبرنا أن الهدى بيد الله سبحانه تبارك وتعالى.
فالله سبحانه تبارك وتعالى الحكم العدل، لا يجري شيء في الكون إلا بعلمه وبقضائه وبقدره، فإذا هدى إنساناً فهذا محض فضل منه سبحانه، وإذا أضل إنساناً فهذا محض عدل منه سبحانه تبارك وتعالى.
فيهدي من يشاء، ويضل ويخذل ويبتلي من يشاء بعدله، والناس يتقلبون بين فضله وعدله سبحانه وتعالى، ولو حاسب الناس بعدله لأدخلهم النار؛ لأنه لا يقدرون أن يجازوا ربهم سبحانه على نعمه التي أعطاها لهم، ولا يشكرونه ولا يقدرونه حق قدره سبحانه وتعالى، ولا يقدرون على شكر نعمة واحدة من نعمه عليهم.
ولذلك عندما يدخل المؤمنين الجنة إنما يدخلهم بفضله.
ويؤكد لنا هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) فالعمل لا يصلح أن يكون ثمناً للجنة، فالجنة أغلى من عمل الإنسان.
والإنسان يقدر ذلك بما في الدنيا، فلو أنه رأى بستاناً عظيماً، وقصراً مشيداً وأرضاً واسعة، ثم أراد أن يشتريها وليس معه شيء، فقيل له: اعمل واشتغل لنعطيك هذا البستان، فماذا سيعمل هذا الإنسان؟ وكم سيتعب في عمله من أجل أن يشتري هذا البستان؟ فإذا كان هذا في الدنيا فكيف بجنة عرضها السموات والأرض! وأقل ما يكون للإنسان فيها مثل ملك من ملوك الدنيا عشر مرات، فلو تخيلنا ملكاً من ملوك الدنيا يملك بلداً من البلاد فهل يستطيع أحد أن يشتري هذه البلاد، مهما عمل بماله ومهما كسب من شيء؟
الجواب
لا إذاً فهذا هو الفضل من الله عز وجل، يؤتي الإنسان من فضله سبحانه وتعالى.
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦] ويقول: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى الله} [آل عمران:٧٣].
فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتدي عمه أبو طالب ولم يقدر الله عز وجل ذلك فمات على الكفر، فقال الله سبحانه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] فهدى الله عز وجل من شاء من خلقه فدخل في دين رب العالمين سبحانه، كما هدى حمزة بن عبد المطلب والعباس، فهذا عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا عمه، ولكنه أضل أبا طالب، وأضل أبا لهب، فهدى الله عز وجل من شاء وأضل من شاء.
قال: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦]، فقد يقول الإنسان: لماذا ربنا هدى فلاناً وفلاناً أضله؟ وهذا الذي أضله الله قد يراه البعض إنساناً طيباً ومهذباً، وإنساناً رقيقاً ولكنه لا يصلي، وقد نرى إنساناً آخر قد تكون فيه شراسة ونفور ولكنه يصلي؟ فنتأمل هذا الإنسان الذي على خلق، لماذا لا يصلي؟ فالصلاة نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وعلى الأقل هذا الإنسان إن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر وهو مصل فإنها تنفعه يوم القيامة، فهذا في قلبه كبر وإن أظهر للناس تواضعاً وأدباً، فإنه يستكبر على ربه سبحانه فلا يصلي ويقول: المهم القلب والمعاملة مع الناس!