للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أقسام المسلمين ومراتبهم وأصنافهم]

لقد قسم الله تعالى المسلمين من هذه الأمة أقساماً ثلاثة فقال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:٣٢]، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس، والذين أرسل إليهم جميعهم أمته عليه الصلاة والسلام، منهم أمة الدعوة، وهم الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم من أسلم ومنهم من كفر، ممن حضر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم من بعدهم إلى قيام الساعة، أما الذين استجابوا له فدخلوا حباً في دين الله عز وجل بإرادتهم فهؤلاء أمة الإجابة.

وأمة الإجابة هم المسلمون، خرج عنهم المنافقون، والكافرون، فأمة الإجابة هم من قالوا: لا إله إلا الله مستيقنين بذلك.

وهم من الأقسام الثلاثة الذين ذكر الله عز وجل في هذه الآية: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:٣٢]، فالظالم لنفسه: هو الذي فرط في حق نفسه وفي حق دينه، فارتكب من المعاصي ما شاء الله سبحانه وتعالى، وترك بعض الواجبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه، فزادت سيئاته على حسناته، فكان ظالماً لنفسه فاستحق العقوبة، ولكن ينفعه قول لا إله إلا الله يوماً من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه.

الصنف الثاني: وهم المقتصدون الذين استوت حسناتهم مع سيئاتهم، وهم الذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرمات، وقد يحصل منهم التفريط في الأخذ بشيء من المكروهات، وترك شيء من المستحبات، ولكن حالهم على الاستقامة، قصروا في النوافل، ولكن غالب أحوالهم المحافظة على الفرائض، فعلى ذلك كانوا مقتصدين، فاستوى عملهم الحسن مع ما وقعوا فيه من أخطاء، فالله يتجاوز ويعفو سبحانه وتعالى عنهم.

الصنف الثالث: هم السابقون إلى الخيرات، (ومنهم سابق بالخيرات) فهؤلاء ما وجدوا وسيلة لفعل الخير إلا واستبقوا إليها، إلا وسنوا للناس السنة الحسنة فيها، فكانوا السابقين بالخيرات، قال الله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:١٠ - ١٤].

فهؤلاء كانوا في قرون الخيرية الأولى التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) قوله: (خير القرون قرني) وهم من أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وهم أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، فهؤلاء خير القرون، وخير الناس.

قوله: (ثم الذين يلونهم) أي: الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءوا من بعده وشاهدوا أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، هؤلاء فيهم الخيرية بعد الصحابة.

قوله: (ثم الذين يلونهم)، وهم تابعو التابعين، وهؤلاء فيهم الخير أيضاً.

وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ} [الواقعة:١٠ - ١٣] أي: ثلة ممن كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في عصور الخيرية، والثلة: جماعة كبيرة من الناس نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم ومعهم.

قوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:١٤] أي: من القرون المتأخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، (لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه)، فلا يتوقع أن يأتي عهد كعهد الصحابة، إلا أن يشاء الله عز وجل حين ينزل المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكن الغالب في الناس أنه لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه وأشد منه في الشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وتأتي الفتن يرقق بعضها بعضاً، فتأتي فتنة في زمن من الأزمان، ثم تأتي فتنة بعد ذلك تليها، فإذا بالناس الذين يشهدون هذا الشيء الجديد يرققون ما تقدم، ويقولون: إن الذي فات ليس بشيء وهذا أصعب وأشد، ثم تأتي على الناس فتنة بعدها فترقق السابقة وهكذا، كلما يبتلى الناس بشيء من الفتن إذا بهم ينظرون فيها فيقولون: إن هذه أشد وأفحش مما تقدم من الفتن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالسابقون كانوا في القرون السابقة هم الأكثرية، ولكن في القرون المتأخرة هم الأقلون، كما قال الله سبحانه: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:١٣ - ١٤] فما جزاؤهم عند ربهم سبحانه؟ قال: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} [الواقعة:١٥] أي: الأرائك التي يجلسون عليها، تقول: هذا سرير الملك، يعني: العرش الذي يجلس عليه الملك، فهؤلاء ملوك في الجنة، فهم على سرر في الجنة منعمين مرفهين، وهذه السرر مصنوعة من ذهب موضونة، وهم يأكلون ويشربون في جنات الخلود، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>