قال تعالى:(وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)، فالملائكة يسبحون بحمد ربهم، وينزهون الله سبحانه، ويقدسون الله سبحانه وتعالى، ويصلون لله سبحانه وتعالى، روى الترمذي وابن ماجة عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إني أرى ما لا ترون)، وحق له صلوات الله وسلامه عليه أن يرى ما لا نرى، قال:(إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط) أي: لا تلام السماء أن تئط، وكلمة أط معناها: هبط، أو أنه يكاد أن يسقط من ثقل ما عليه، فمثلاً: تقول إذا كان السقف عليه أحمال: السقف يئط، أي: أنه بدأ يهبط، ويكاد أن يقع من ثقل ما يحمله، فقوله:(أطت السماء)، لحملها شيئاً ثقيلاً، وما هو الحمل الذي جعل السماء تئط؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله)، أي: ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك واضع رأسه لله عز وجل، وساجد لله سبحانه وتعالى، وهناك ملائكة قيام لله عز وجل منذ خلقهم يعبدون الله، وهناك ملائكة ركع منذ خلقهم الله سبحانه، وملائكة ساجدون لله منذ خلقهم، فإذا جاءت القيامة وجاءت الساعة قاموا فقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! قال الله سبحانه وتعالى: (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)، أي: ينزهونه ويقدسونه ويصلون مطيعين لله سبحانه وتعالى حامدين ربهم، يسبحون فيحمدون ويحمدون فيسحبون، فهم ما بين تسبيح وتحميد، فوراء التسبيح تحميد وهكذا فسبح باسم ربك، وسبح بحمد ربك سبحانه وتعالى، وكن حامداً له سبحانه، فالملائكة دائماً يسبحون ويحمدون الله سبحانه، فهم بحمده يسبحون، وبتسبيحه يحمدون، فيحمدون الله على ما آتاهم سبحانه وتعالى من نعمة حبه وعبادته، ومن شرف مكانتهم.
وقوله:(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ) وهذا من نعم الله عز وجل على عباده، ومن في الأرض هنا عموم يراد به الخصوص، فإن الله عز وجل يقول:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨].
إذاً: الملائكة تستغفر لمن يقبل الله عز وجل استغفارهم له، فيستغفرون للمؤمنين، للمسلمين، للموحدين، وليس للمشركين، فلا يستغفرون للمشركين؛ لأن المشرك لا يقبل منه عمل، فإذا تاب إلى الله تاب الله عز وجل عليه، وجعل الملائكة يستغفرون له إن أسلم.
فالملائكة يستغفرون لعباد الله الموحدين المسلمين قائلين:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}[غافر:٧].
واستغفار الملائكة للمؤمنين ذكره الله عز وجل في سورة غافر، قال عز وجل حاكياً عن الملائكة:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:٧ - ٩]، هذا الدعاء العظيم الجميل تدعو به الملائكة لكل إنسان مؤمن، فكل إنسان مؤمن يستغفر ربه ويتوب إليه الملائكة تدعو له، وتطلب من ربها سبحانه أن يغفر له، وأن يتوب عليه.