ومثله في هذه البسالة والجهاد في سبيل الله أخ آخر لـ أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو البراء بن مالك فقد كانوا من عائلة عجيبة جداً، رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، وعلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فـ البراء بن مالك كان في غاية الشجاعة، رضي الله تبارك وتعالى عنه، وله فيها مواقف عديدة، ولكن أعجب ما فيه القسم على الله، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه من الذين إذا أقسموا على الله أبرهم.
وعندما غزا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تستر في بلاد فارس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ووجدوا القتال قتالاً شديداً قالوا للبراء بن مالك: يا براء! اقسم على ربك أن يمنحنا أكتافهم.
فخاف على نفسه من الشهرة؛ لأنه إذا أقسم على ربه فإنه سيستجيب له، ثم يعيش مشهوراً بعد ذلك، فرأى أنه لا ينفع أن يعيش بعد ذلك، فأقسم على ربه فقال: اللهم إني أقسم عليك لما منحتنا أكتافهم، وجعلتني أول شهيد في المعركة، فاستجاب الله دعائه، وبر قسمه، فدارت الدائرة فقتلهم المسلمون وأسروهم، واستشهد رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فما كانوا يقسمون على الله من أجل أن يشتهروا بين الناس، فإذا اشتهروا بين الناس فإنهم يكرهون العيش، ويحبون الموت؛ لأنهم لا يريدون الدنيا، وإنما يطلبون الآخرة.
إذاً: قوله سبحانه هنا: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}[الأحزاب:٢٣]، أي: منهم من ينتظر الوفاء بعهد الله الذي عاهده فيه على الجهاد في سبيل الله.