تفسير قوله تعالى:(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الفرقان في ذكر صفات عباد الرحمن:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:٧٣ - ٧٤].
هذه الآيات الكريمة من سورة الفرقان يذكر الله عز وجل فيها صفاتاً لعباد الرحمن، ومن صفات عباد الرحمن التي ذكر هنا:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}[الفرقان:٧٣]، ففي هذا بيان لكيفية عبادة عباد الرحمن لربهم سبحانه وتعالى وتقربهم إليه، وكيف يستمعون النصيحة من كتاب الله ومن هدي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فإذا ذكروا تذكروا ولم ينسوا، إذا ذكروا بآيات الله سبحانه أقبلوا عليها بقلوبهم ووجوههم وعقولهم متفهمين متدبرين واعين متذكرين متعظين منتفعين بها، فمن صفاتهم إقبالهم على كتاب الله سبحانه وتعالى.
قال الله:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}[الفرقان:٧٣]، وكأن الآية فيها تعريض بالذين إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً، والخرور: السقوط، ولا سقوط حقيقة، فالذين يعرضون عن آيات الله عز وجل كأنهم سقطوا سقوطاً معنوياً، فهؤلاء أعداء الله سبحانه لا يسمعون ولا يستجيبون بل يبتعدون عن سماع كتاب الله سبحانه وتعالى، وخروا عليها صماً وعمياناً، فبدل أن يقبلوا إلى الله عز وجل أعرضوا عنه، أما عباد الرحمن سبحانه فإنهم يخرون لله عز وجل مطيعين له، ساجدين له، وإذا ذكروا تذكروا.
وأولئك الذين يعرضون عن آيات الله يخرون عليها صماً وعمياناً، أي: يعرضون عن كتاب الله عز وجل، كقولك: فلان قعد يفعل كذا وكذا وليس ثم قعود، ويقال: قعد فلان يرد على فلان، وقد يرد عليه وهو قائم، وقد يرد عليه وهو ماش، ولكن المعنى: أنه توجه إليه وانتبه إليه بكليته ليرد عليه مثلاً، فهؤلاء عباد الرحمن {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}[الفرقان:٧٣]، بل خروا عليها يستمعون كلام الله عز وجل وهم يعون ويفهمون ذلك، فكأنهم خروا على كتاب الله عز وجل وأقبلوا عليه فلم يعرضوا عنه، واستمعوا وانتفعوا بذلك، وذكر في آيات أخر أنهم {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء:١٠٧ - ١٠٩]، فهذا إقبال عباد الرحمن على الطاعة، وإذا جاءت آيات من آيات الله عز وجل فيها سجود خروا لله سجداً، فهذا خرور حقيقي، فهم مقبلون على كتاب الله سبحانه، متدبرون لما يقوله الله سبحانه، فإذا جاءت آية السجدة خروا لله عز وجل سجداً له، فخرورهم خرور القلوب وخرور الأبدان، ويخرون بقلوبهم ويقبلون ويتوجهون سجداً لربهم سبحانه، ولا يخرون صماً وعمياناً.