للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سبب نزول قوله تعالى: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً)

قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس:٨] جاء في سبب نزول هذه الآية أن أبا جهل بن هشام ورجلين من بني مخزوم تواصوا فيما بينهم أنهم إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ويسجد عند الكعبة أن يأخذ أحدهم حجراً ويرضخ به رأسه صلى الله عليه وسلم.

فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي إذا بـ أبي جهل لعنة الله عليه يأخذ حجراً ويجري إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبر بقسمه، فلما وصل فزع ورجع خاشعاً ذليلاً لعنة الله عليه وعلى أمثاله، إذ غلت يده إلى عنقه بالحجر الذي معه ورجع فزعاً إلى قومه.

فقال الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم ير أصحابه، فلما نادوه رآهم وقال: والله ما رأيته، ولقد سمعت صوته.

فإذا بالثالث يقول: والله لأشدخن رأسه، فلما انطلق وأخذ الحجر فإذا به يرجع القهقرى، ونكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشياً عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال: شأني عظيم، رأيت الرجل فلما دنوت منه فإذا بفحل يخطر بذنبه، ما رأيت فحلاً قط أعظم منه حال بيني وبينه، فواللات والعزى لو دنوت منه لأكلني.

فنزلت هذه الآية تبين شيئاً مما يصنعه الله عز وجل بهم في الدنيا، وما يصنعه بهم في الآخرة أشد وأعظم من ذلك، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس:٨]، أي: أرادوا رمي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر فقيدت أيديهم إلى رقابهم ولم يقدروا على ذلك.

وهذه من معجزات النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكم أراد الكفار أن يستهينوا ويستهزئوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله سبحانه وتعالى يثبته ويزعزعهم فيخافون، فهذا أبو جهل لعنة الله عليه يأخذ شيئاً من رجل ولا يعطيه الثمن، فأراد الكفار أن يستهينوا ويستهزئوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل منهم: اذهب إلى محمد فإنه سيأتي لك بحقك من أبي جهل.

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة هو ومن معه من المؤمنين كانوا في حالة ضعف، فكيف سيأتي لهذا الرجل بحقه من فرعون هذه الأمة؟ ومع هذا يذهب الرجل إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويطرق عليه بابه ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ له حقه من أبي جهل.

ويخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع المظلوم لينصره صلوات الله وسلامه عليه، حتى ولو كان مستضعفاً في مكة والكفار ينظرون، فخرجوا وراء النبي صلى الله عليه وسلم يتغامزون، ويضحكون، ووصل النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل إلى بيت أبي جهل وطرق بابه، فخرج أبو جهل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعط الرجل حقه، فإذا به يرعب من النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: نعم يا أبا القاسم، ويرجع خاشعاً ذليلاً، ويأتي بالمال ويدفع للرجل حقه.

أرادوا أن يسخروا من النبي صلى الله عليه وسلم فيرد الله كيدهم في نحورهم! فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا أبا الحكم ويحك! ما الذي صنعت؟ قال: والله لقد رأيت فحلاً من الإبل أمامي فاغراً فاه، ولو لم أقل له: نعم لأكلني.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧]، فهؤلاء الكفار يرون تأييد الله سبحانه وتعالى لنبيه بالمعجزات، ومع ذلك لم يؤمن منهم إلا القليل، قال تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يس:٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>