إن سلمان تعلم عند بقايا من النصارى الذين كانوا يوحدون الله سبحانه، وكان كل إنسان منهم يوصي سلمان: أن اذهب إلى فلان وتعلم عنده، وهكذا حتى قال له آخرهم: لا أجد أحداً على الأرض على ما أنا عليه، ولكن قد أظلك زمان يبعث فيه نبي، وهذا آخر راهب كان معه سلمان الفارسي رضي الله عنه، وسلمان كان فارسياً مجوسياً، وكان أبوه موقد النيران لقومه، ولما هرب سلمان من عند أبيه وأمه وجد راهباً يعبد الله سبحانه، فتعلم منه، ثم حبسه أبوه، ثم هرب بعد ذلك وتوجه ليعبد الله سبحانه ويترك هذه الديانة الباطلة، فدلوه على عبادة الله سبحانه، وكان كلما يذهب إلى راهب من الرهبان يلازمه حتى تحضر الراهبَ الوفاة، فيقول له سلمان: إلى من توصي بي؟ فيقول له: اذهب إلى فلان في القطر الفلاني فهو على التوحيد، فهؤلاء هم بقايا أهل الكتاب الذين كانوا على التوحيد.
فلما وصل سلمان رضي الله عنه إلى آخر هؤلاء، وكان قد قرب عهد النبي صلوات الله وسلامه عليه وجاءت الوفاة لهذا الراهب، فقال لـ سلمان: اذهب إلى أرض العرب فإنه سيبعث فيها نبي في هذا الزمان، وسلمان لا يعرف طريق الذهاب إلى أرض العرب، فوجد جماعة من العرب فأعطاهم ماله حتى يوصلوه إلى أرض العرب، فأخذوا منه المال وخانوه وغدروا به وصيروه عبداً! وبذلك صار سلمان الفارسي الذي كان أبوه من الكبراء عبداً من العبيد في يوم من الأيام، حتى أعانه النبي صلى الله عليه وسلم ففك رقه وصار عتيقاً بعد ذلك.
والغرض أن سلمان عرف النبي صلى الله عليه وسلم بالوصف الذي قاله له هؤلاء البقايا من أهل الكتاب الذين كانوا على التوحيد، وكانوا يعرفون الله سبحانه، ويؤمنون بالله الواحد ولم يقولوا: الله ثالث ثلاثة، ولم يقولوا: إنه اتخذ صاحبة أو ولداً، فـ سلمان تعلم منهم ذلك، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عرفه بوصفه الذي حدثوه به.