لما ذكر الله تبارك وتعالى في الآيات السابقة في هذه السورة كيف نصر المؤمنين على الكفار، وكيف رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكيف أنزل الذين ظاهروهم من بني قريظة من صياصيهم وألقى في قلوبهم الرعب، وجعل للمؤمنين أن يقتلوا ويأسروا من هؤلاء، وغنموا مغانم كثيرة في ذلك، ثم بدأت الفتوح من الله عز وجل على المؤمنين فتلاها فتوحات عظيمة، فكان هذا تمهيداً لما جاء بعد ذلك من فتح النبي صلى الله عليه وسلم لمكة، ومن قتال هوازن وحنين ونصر المؤمنين في هذه المواطن، وفتح الله عز وجل الفتوح على النبي صلوات الله وسلامه عليه.
لما رأت نساء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك -وعادة النساء إذا وجدن الخير أن يطلبنه- طلبن من النبي صلى الله عليه وسلم زيادة النفقة، والنبي صلوات الله وسلامه عليه كان يدخر لأهله قوته ثم ينفق ما زاد عن ذلك على الضيف، وعلى الفقراء والمساكين، وعلى كل من يحتاج، ومن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من وفود ونحو ذلك.
فكأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم غاضبنه وهن يطلبنه مرة وراء مرة، فهجرهن النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً، حتى ظن بعض الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طلق نساءه.
لم يطلقهن عليه الصلاة والسلام ولكنه هجرهن تأديباً لهن، ومقام النبي صلى الله عليه وسلم عظيم، وأيضاً مقام نساء النبي صلى الله عليه وسلم مقام عظيم، فالمقام مقام القدوة، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:٢١].
ونساء النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة للمؤمنات، تقتدي كل مؤمنة بنسوة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فينبغي أن يترفعن عن طلب الدنيا، وعن طلب الزيادة من المال، وعن النظر إلى حطام الدنيا، فكان من الله سبحانه أن أدب نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه حتى يصلحن أن يكن نساءه في الجنة عليه الصلاة والسلام، فكان التأديب بأن هجرهن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنزل الله عز وجل هذه الآية في تخيير نساء النبي عليه الصلاة والسلام.