للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صعود الكلم الطيب وارتفاع العمل الصالح إلى الله تعالى]

وقوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) أي: إلى الله عز وجل يصعد الكلم الطيب، وأعلاه: لا إله إلا الله، وأعظم كلمة يقولها الإنسان: لا إله إلا الله، وأعظم الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم والنبيون قبله في يوم عرفة: لا إله إلا الله، هذه الكلمة العظيمة التي تصعد إلى الله سبحانه وتعالى.

فقوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ) أي: يصير ذكرك لله عز وجل، ودعاؤك ربك سبحانه يصعد إليه، فالله هو الذي يرفعه سبحانه وتعالى.

فقوله: (إِلَيْهِ) أي: إلى الله سبحانه، وقوله: ((يَصْعَدُ)) أي: توحيدك له بذكرك له سبحانه، وتوكلك عليه سبحانه وتعالى.

قال تعالى: ((وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) أي: يرفعه الله سبحانه وتعالى، فالكلم الطيب والعمل الصالح يرفعهما الله سبحانه.

وفي قوله تعالى: ((يَصْعَدُ)) دليل على علو الله سبحانه وتعالى وارتفاعه فوق خلقه سبحانه، فهو العلي بذاته، والعلي بقهره لعباده، والعلي سبحانه وتعالى في مكانه وفي منزلته العظيمة، فله وحده سبحانه وتعالى علو المنزلة وعلو الشأن وعلو القهر وعلو الذات.

قال تعالى: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ))، فالدعاء يصعد إلى الله عز وجل، وذكر الله يصعد إلى الله، والتقرب إلى الله بقول لا إله إلا الله وغيرها من ذكر الله كله يصعد إلى الله.

((وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ)) كذلك يرفعه الله سبحانه وتعالى، فإذا عمل إنسان عملاً طيباً يبتغي به وجه الله سبحانه رفع الله عز وجل إليه هذا العمل، وإذا عمل عملاً طيباً لا يقصد به وجه الله لم يرفع إلى الله سبحانه، وإذا عمل عملاً خبيثاً فمن باب أولى ألا يرفع إلى الله سبحانه؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

إذاً: قوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) كله مرفوع إلى الله سبحانه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار فيحضرون في صلاة الفجر ويحضرون في صلاة العصر، ويصعدون إلى الله سبحانه).

فالذين يبيتون فيكم يحضرون معكم صلاة الفجر، والذين نزلوا من السماء أيضاً يحضرونها، قال صلى الله عليه وسلم: (ويصعد الذين باتوا فيكم إلى الله سبحانه فيسألهم: كيف وجدتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون).

أي: أتيناهم فكانوا في صلاة العصر وتركناهم وقد صلوا صلاة الفجر، وقوله: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار) أي: يرتفعون إلى الله ويخبرون الله وهو أعلم بكم منهم سبحانه وتعالى، فيصعد إليه الكلم الطيب، ويصعد إليه أيضاً العمل الصالح.

وقال بعض أهل التفسير في قوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قالوا: الكلم لا يرفع إلا بعمل صالح، فالعمل يرفع الكلم، فإذا كان الكلم لا يوافقه عمل فلا يرفع إلى الله سبحانه.

وهذا وجه من المعاني، ولكن ليس معنى الآية: أنه لا يرفع كلم طيب إلى الله إلا بعمل، وإلا فإن كلام الناس وذكر الله سبحانه لا يرتفع منه إلا القليل ولا بد أن يكون معه عمل، والله سبحانه وتعالى كريم، فالله يرفع إليه الكلم الطيب ويقبله، ويرفع إليه أيضاً العمل الصالح ويقبله، فهذا شيء وهذا شيء.

ولكن إذا كان الكلم طيباً والقلب خبيثاً والعمل لغير الله فهذا كله لا يرفع إلى الله عز وجل، فالإنسان قد يتكلم بالموعظة الطيبة التي لا يصدقها قلبه ولا يوافقها عمله، ويكون العمل رياءً وعملاً خبيثاً ليس فيه لله عز وجل شيء، فلا يقبل منه قوله ولا يقبل منه عمله.

ولكن إذا ذكر الله سبحانه وتعالى فالله عز وجل يقبل منه ذلك، وقد يكون عصى الله في شيء آخر، فذكره لله عز وجل يرفعه الله إذا قصد به وجه الله سبحانه، وعمله الذي وقع فيه وهو سيئ يحاسبه الله عليه سبحانه وتعالى، ولا تعلق للقول بالعمل، فلا يرد هذا القول الذي كنت مخلصاً فيه لأنك عملت عملاً سيئاً أو وقعت في معصية الله، فالله أكرم من ذلك، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، وهذا شيء يقبله الله وذاك شيء آخر لا يقبله الله، والعبد واحد إلا أن يكون القول رياء فهو قول لا يرفع إلى الله عز وجل.

أو يكون العمل رياءً وسمعة وعملاً خبيثاً فلا يرفع إلى الله سبحانه.

فقوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أي: الله سبحانه وتعالى يرفع العمل الصالح للعباد، وأنت كلما عملت عملاً صالحاً يرفعه الله ويدخره لك عنده يوم القيامة، وتجد نتيجة هذه الأعمال الصالحة أشياء عظيمة من ثواب الله ومن فضله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: (والذين يمكرون السيئات)، المكر: هو الحيل، عمل الشيء على سبيل الاحتيال والخديعة، كإنسان يخدع، أو يخون، أو يغدر، يقول الشيء وهو ينوي ويضمر غير هذا الذي يقوله، ويسعى للإنسان حتى يوقعه في مهلكة بحيلة وبخبث، ولهذا قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ) أي: يعملون أعمالاً سيئة خبيثة فيها المكر بعباد الله سبحانه، وفيها الخديعة والاحتيال على عباد الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: (لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) فلهم أشد العذاب عند الله، (وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) البوار: الهلاك والضياع، فهؤلاء يمكرون بالمؤمنين، ويمكرون بدين الله عز وجل وبالله عز وجل، فقضى الله على مكرهم بالبوار والخسران والتلف والهلاك، وكل من يمكر بدين الله عز وجل أبى الله إلا أن يذله، وأن يعز دينه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>