[قصة إبراهيم مع قومه ودعوته لهم إلى ترك عبادة الأصنام]
في هذه الآيات من سورة الشعراء يذكر لنا ربنا سبحانه وتعالى قصة إبراهيم، فيقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:٦٩ - ٧٠]، لقد ولد إبراهيم بالعراق على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكان أبوه هناك، وكان أهل العراق يعبدون الأصنام من دون الله سبحانه، فهاجر بعد ذلك إلى الشام، وكان أهل الشام يعبدون الكواكب من دون الله سبحانه وتعالى، فابتلي في البلدين: في العراق وفي الشام عليه الصلاة والسلام، فقام بأمر الله أحسن قيام، قال الله عز وجل:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:٦٩ - ٧٠]، فإبراهيم ينكر عليهم أن يعبدوا أصناماً من دون الله سبحانه وتعالى، وقد كان أبوه فتنة عظيمة له، فقد كان يصنع الأصنام لقومه، فأي بلاء أشد من هذا الابتلاء، وكيف يذهب إلى الناس فيقول لهم: لا تعبدوا الأصنام، فيقولون: أبوك الذي صنعها!! فهذه فتنة شديدة جداً، ومع ذلك صبر عليها إبراهيم، فقال لأبيه وقومه:{مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:٧٠] أي: أي شيء هذا الذي تعبدونه من دون الله؟ وهذا سؤال استفهام إنكاري، فهو ينكر عليهم هذا الذي يعبدونه من دون الله.
قال تعالى:{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:٧١] أي: كأنهم ظنوا أن إبراهيم يسألهم سؤال المستفهم الذي لا يعرف حقيقة الأمر فهم يوضحون له الصورة، بينما هو في الحقيقة يعرف أنها حجارة لا تنفع ولا تضر، وهو ينكر عليهم عبادتهم هذه الحجارة، ويقول: ما الذي يجعلكم تعبدون هذه الأشياء؟ هل تنفعكم هذه الأشياء؟ وكأنه يقررهم من أجل أن يعترفوا أن هذه الأصنام إنما هي حجارة وأنها أخشاب؛ إذاً: هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر بمقتضى ردهم، حيث إنه قال لقومه:{مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:٧٠]، قال تعالى:{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا}[الشعراء:٧١] أي: أوثاناً وأحجاراً كانوا يصنعونها من ذهب ومن فضة ومن حجارة ومن خشب، وقولهم: أصناماً أي: جمادات نعبدها من دون الله سبحانه، وقد صوروها على هيئة صور، قال تعالى:{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:٧١]، وكلمة نظل تأتي في العمل بالنهار، وأحياناً عمل الليل والنهار، فكأنهم كانوا يعبدونها جهاراً بالنهار، ولا يستحيون من عبادتهم لها، فعبادتهم لها ليس هو في الخفاء؛ لأنهم قالوا:{نَظَلُّ لَهَا}[الشعراء:٧١]، أي: في الظل في النهار نعبدها، وكأن المعنى: إذا كانوا بالنهار لا يستحيون، فهم بالليل والنهار يعبدون هذه الأوثان والأصنام.
وقوله تعالى:{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:٧١] أي: ملازمين لعبادتها، والعكوف على الشيء هو اللزوم للشيء سواء كان هذا الأمر طاعة أو معصية، فهنا عكف على الشيء بمعنى: لازم هذا الشيء، واستمر عليه.
فقال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ}[الشعراء:٧٢]، أي: هذه باعترافكم أصنام وجمادات، فهل تسمعكم؟