قال تعالى:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}[سبأ:١٧] أي: ذلك الجزاء العظيم الفضيع من الله سبحانه بكفرهم، فقد كفروا وعبدوا غير الله، وكفروا بنعم الله سبحانه فلم يشكروها.
قال تعالى:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} هذه قراءة حفص عن عاصم، وقراءة حمزة والكسائي وخلف ويعقوب.
وقرأها الباقون:(وهل يُجازى إلا الكفور)، وليس المقصود بأن الكفور فقط هو الذي يجازى، وإنما المقصود: إنما يجازى مثل هذا الجزاء الصعب الشديد من كفر بالله، وكفر بنعمه سبحانه، فاستحق أن يباد وأن تسلب منه النعم، وكذلك استحق نار جهنم يوم القيامة، ولا ينفعه شيء.
وفي الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(من نوقش الحساب عذب)، وفي رواية:(من حوسب هلك، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: أليس الله يقول في المؤمن: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:٨]؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس ذاك، ولكنه العرض) أي: أن المؤمن يعرض الله عز وجل عليه كتابه، ويقول له: فعلت كذا يوم كذا، ثم يعفو عنه ويتجاوز سبحانه تبارك وتعالى.
وأما الإنسان الكافر فالله عز وجل يناقشه الحساب، وكل من نوقش الحساب عذب، سواء كان كافراً أو عاصياً صاحب كبائر أو فاسقاً أو فاجراً فمن نوقش الحساب أهلكه الله وعذبه يوم القيامة.
وهنا يذكر لنا ربنا سبحانه أنه لا يجازى الجزاء الذي لا ينفع معه شيء إلا الإنسان الكافر، حتى ولو كان له عمل صالح في الدنيا، ولكن كفره جعل عمله غير مقبول، فلا ينفعه عمله، قال الله سبحانه:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:٢٣] أي: أخذنا أعمالهم وبعثرناها فلا تنفع أصحابها يوم القيامة لكفرهم.
فهل يجازى إلا الكفور؟! أي: الجزاء الأوفى، والمعنى: أن الكافر يجازى أشنع الجزاء على كفره، ويوفيه الله عز وجل على كل شيء فعله، ولذلك حين يقال لأهل النار:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}[المدثر:٤٢ - ٤٧].
فجوزوا على كفرهم، وعلى بقية الأعمال التي لا تصل إلى هذه الدرجة، فيحاسبهم الله على كل شيء.
إذاً: فكأنه يقول في الآية: هل يجازى الجزاء الوافي على كل عمل يعمله إلا من كفر بالله فاستحق ذلك؟!