عندما رفع إبراهيم القواعد من البيت أمره ربه سبحانه بقوله:{أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحج:٢٧]، سأل ربه سبحانه وتعالى: وما يبلغ صوتي؟ يعني: أنا سأفعل وأستجيب ولكن من سيسمعني؟ ومن سيصله صوتي؟ فأخبره الله عز وجل: أذن أنت وأنا أبلغ هذا الشيء، فوصل إلى أسماع من شاء الله عز وجل أن يحجوا هذا البيت، فلبوا ربهم سبحانه وحجوا بيته.
ومعنى (أذن) أي: أعلن وناد على الناس في الحج، فيستجيبون لك، وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى، وقد تحقق وعد الله سبحانه تبارك وتعالى، فإن الناس في قلوبهم شوق إلى حج بيت الله سبحانه، فكلما تذكروا البيت فإن من استطاع منهم ذهب وحج لله عز وجل، فإذا ذهب كان {مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}[البقرة:١٢٥]، والمثابة: الشوق والرجوع والتكرار، فكلما ذهب إلى البيت اشتاق إليه أكثر، وكلما رجع من حج أو من عمرة اشتاق أن يرجع إليه مرة ثانية وثالثة، استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى:{يَأْتُوكَ رِجَالًا}[الحج:٢٧] أي: على أرجلهم مترجلين مشاة.
{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}[الحج:٢٧] الضامر: البعير المهزول، يقال: ضمر الشيء بمعنى: أهزله، ومنه تضمير الخيل، فقد كانوا يعدون الخيل للجهاد وللكر والفر، ولذلك كانوا يضمرونها، فيعزل الخليل تماماً ويلبسه الصوف ثم يجعله يجري حتى يعرق فيخفف شحمه فيضمر، فهذا تضمير الخيل، والضمور بمعنى: الهزال، فقوله تعالى:(وعلى كل ضامر) معناه: أن الناس يأتوك من أماكن بعيدة حتى يكون الجمل الذي يركبه صاحبه هزيلاً ضعيفاً، فيكون المعنى: وعلى كل بعير ضامر هزيل مهزول من طول السفر.
إذاً: فقوله تعالى: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ}[الحج:٢٧]، كأنه تشريف لهذا البعير المركوب، فهو شرف للبعير الذي رُكب وأتى بصاحبه إلى بيت الله الحرام.
قال:{يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:٢٧] يعني: هذه الإبل أتت من كل فج عميق بأصحابها ليحجوا بيت الله سبحانه.
والفج: الطريق الواسع، والعميق: البعيد، والمعنى: يأتون من طرق بعيدة وبلاد بعيدة شاسعة؛ ليحجوا بيت الله الحرام.