للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هداية النبي صلى الله عليه وسلم للناس]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:٤٥ - ٤٩].

يخبر الله تبارك وتعالى نبيه صلوات الله وسلامه عليه بأن وظيفته في هذه الدنيا أنه رسول وأنه نبي عليه الصلاة والسلام، وأنه الشاهد والمبشر والنذير، والداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير.

فهو يهدي به الله عز وجل من يشاء من خلقه إلى صراطه المستقيم، وفرق بين هداية الله عز وجل لخلقه وهداية النبي صلى الله عليه وسلم ومن دعا بدعوته الخلق إلى الله عز وجل.

فالنبي يهدي، بمعنى: يدل ويبين عليه الصلاة والسلام، فهو هاد يهدي الخلق عليه الصلاة والسلام بالبيان، وينير لهم صلوات الله وسلامه عليه طريقهم، فيعرفون الحق من الباطل، فقد يسلكون طريق الحق وقد يتنكبونه.

أما الذي يحول من حال إلى حال فهو الله عز وجل، وعندما يقول لنا: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران:٧٣]، {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة:١٢٠] فالهدى ينسب إلى الله عز وجل، فيهدي من يشاء من خلقه.

وحين يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] فهذا صحيح، وحين يقول له صلوات الله وسلامه عليه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦] فهو أيضاً صحيح، فهو صلوات الله وسلامه عليه وظيفته أن يبين للخلق، فهو لا يملك قلوبهم، ولا يملك أن يخرجهم من الظلمات إلى النور ويحولهم من طريق إلى طريق، إنما يملك الدلالة عليه الصلاة والسلام.

إذاً: قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] أي: أنت تبين أن هذا صراط الله عز وجل وكتابه، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا طريق الجنة، وهذا طريق النار، إذاً: هو مبين عليه الصلاة والسلام، والناس يسمعون ويرون منه صلى الله عليه وسلم هذه الآيات، فمنهم من يؤمن فينجو، ومنهم من يصر على كفره وجحوده فيهلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يهديهم بالبيان عليه الصلاة والسلام.

والله يقول: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦] يعني: لا تحول ولا تغير قلب إنسان ولا تملك ذلك.

{لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:٦٣].

إذاً: هو عليه الصلاة والسلام يدلهم على الخير حتى يتحابوا وحتى يؤلف بين القلوب، ولكن هو لا يملك التحويل والتغيير، والذي يملك ذلك هو الله تبارك وتعالى.

إذاً الهدى له معنيان: هدى الدلالة، فهذا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويملكه.

هدى التغيير والتحويل للقلوب: وهذا لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى، ولذا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦] يعني: لا تملك أن تغير، فلو كان يملك لغير قلب أبي طالب ولأدخله في الإيمان، ولكن ليست هذه وظيفته صلى الله عليه وسلم.

إذاً: محمد صلى الله عليه وسلم هو الشاهد على الأمم، والشاهد على هذه الأمة، والمبشر الذي يبشرهم بما يسرهم عند الله عز وجل من جنات ونعيم مقيم، وهو المنذر يخوفهم بما أعد الله عز وجل للكافرين والعصاة من عذاب، وهو الداعي إلى الله يدعو الخلق ويناديهم: تعالوا فادخلوا في دين الله سبحانه وتعالى، يدلهم على الحق وعلى طريقه، ويدعو إلى الله بإذنه، وليس من عنده عليه الصلاة والسلام، بل قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:٧].

والضال: التائه عن طريق الله سبحانه، لم يكن يعرف شريعة ربه سبحانه، إنما كان يتعبد لله عليه الصلاة والسلام، وما كان ينتظر أن ينزل عليه وحي.

ولكنه يعبد ربه سبحانه ليشكر نعم الله سبحانه، ويعرف أن الله الذي خلقه هو وحده الذي يستحق العبادة، ويعرف أن هذه الأصنام لا تستحق أن تعبد من دون الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>