[تفسير قوله تعالى: (احشروا الذين ظلموا)]
قال الله عز وجل في سورة الصافات: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات:٢٢ - ٣٤].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن أحوال يوم القيامة، وما يكون فيها من ذهاب الكفار إلى الجحيم، وذهاب المؤمنين إلى جنات النعيم، فقال الله عز وجل هنا: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [الصافات:١٩] نفخة واحدة ينفخ بها في الصور {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} [الصافات:١٩] أي: يقومون يوم القيامة من قبورهم ينظرون وينتظرون ما الذي يفعل بهم.
وقال هؤلاء المجرمون والكفار والفجار: {يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات:٢٠] أي: يوم الحساب والجزاء.
فيقال لهم: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات:٢١] أي هذا يوم الحكم الذي يحكم الله عز وجل فيه ويفصل بالجزاء بين العباد.
{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٢٢ - ٢٣] يأمر الله عز وجل بجمع هؤلاء الكفار الذين ظلموا وأزواجهم، والأزواج من كان على شاكلتهم وأمثالهم وأشباههم من رجال ونساء وآلهتهم التي كانوا يعبدونها، قال: {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ} [الصافات:٢٢ - ٢٣] أي: دلوهم إلى صراط الجحيم وهو إلى طريق الهاوية والعياذ بالله.
قال الله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:٢٤] قفوهم قبل إدخالهم النار ليسألهم الله عز وجل ويبكتهم ويوبخهم ثم يأمر بهم إلى الجحيم: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:٢٥ - ٢٦] لا ينصر بعضهم بعضاً بل استسلموا بين يدي الله سبحانه.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:٢٧] صمتوا فترة طويلة وأدخلوا النار فأقبلوا يوبخ بعضهم بعضاً، فيقول أهل النار بعضهم لبعض: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨] أي: كنتم تأتوننا عن طريق الله سبحانه وتعالى فتبعدوننا عنها، أو تأتوننا عن طريق قوتكم، فقد كنتم أقوى منا فأطعناكم فيما ضللتمونا به في هذه الحياة الدنيا.
{إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨] بقوتكم فأغريتمونا وأغويتمونا وذهبتم بنا إلى النار.
قال لهم الكبراء: {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات:٢٩ - ٣٠] أي: نحن ما فعلنا بكم شيئاً، بل أنتم كنتم قوماً طاغين، فقد طغيتم وغويتم وابتعدتم عن الله، ونحن دللناكم على طريق الشر ففعلتم الشر، وما كان لنا عليكم من حجة ولا سلطان ولكن أنتم اتبعتمونا في ذلك فتستحقون ما أنتم فيه من العذاب.
قالوا: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات:٣١ - ٣٢] الإغواء هنا بالدلالة أي: دللناكم على طريق الغواية وطريق الشر فذهبتم إليه.
{إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} أي: كنا ضالين حين دللناكم على الشر ففعلتموه.
{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات:٣٣ - ٣٤] الجميع يعذبون يوم القيامة، فيعذب الذين أغووا وهم الظلمة الكبراء والذين غووا واتبعوا وهم الضعفاء، والكل كان لهم عقول وكانت في قلوبهم فطر ومع ذلك لم يستجيبوا إلى تحذير ربهم سبحانه، ولم يستجيبوا إلى دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام فاستحقوا ذلك.