قال:(ثم ينفخ في الصور)، يبقون على هذا الحال من حسن العيش، ومع الإساءة في العبادة لله سبحانه، فلا يعبدون الله، وإنما يشركون بالله سبحانه، فيأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور، قال:(فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً)، ولية الإنسان: جانب الوجه أو صفحة العنق، أي: أنه يقوم الإنسان الذي يسمع النفخ في البوق، فيتسمع كما تستمع لصوت جاء من بعيد، فتميل حتى تستمع له (يصغي ليتا) أي: يخفض جانباً من جوانب وجهه، ويرفع الجانب الآخر.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله، فيصعق ويصعق الناس) أي: أول من يسمعه رجل ذهب إلى الحوض الذي سيسقي فيه الإبل، ويلوطه يعني: يصلحه بالطين من داخله لكي يهيئه لشرب الإبل.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فيصعق) هذا الإنسان، ويصعق الناس، فهنا ذكر صورة من أحداث النفخ في الصور، وفي حديث آخر ذكر صوراً أخرى منها: أن الناس يتبايعون، ويمد البائع الثوب والمشتري يأخذه أمامه فلا ينشرانه ولا يطويانه، يقول له: خذ الثوب لكي يقيس مقداره، فلا هذا قاس، ولا هذا طوى الثوب، فإذا بالساعة قد قامت، فوقع الاثنان على هذه الحالة.
وكذلك الإنسان يرفع الإناء إلى فمه ليشرب، فلا يرفع الإناء، لأنه سمع الصور فصعق.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ثم يرسل الله أو قال: ينزل الله مطراً كأنه الطل)، إذاً: هذه كانت النفخة الأولى صعق فيها كل من في السماوات ومن في الأرض بأمر الله، فلكي يبعث الخلق مرة أخرى:(ينزل الله سبحانه مطراً كأنه الطل، فتنبت منه أجساد الناس)، ينزل مطر ثقيل من السماء، فينبت الناس كالزرع الذي ترونه، والإنسان يبلى ولا يبقى منه إلا عجب الذنب، يعني: الفقرة الأخيرة من فقار الظهر التي يكون منها ذيل الحيوان في الإنسان، وهو العصعص الأخير الذي في ظهر الإنسان، فيركب منه الخلق مرة ثانية، وكأنه بذرة الإنسان الموجودة في الأرض، وينزل المطر من السماء كما ينزل على بذور النبات، فيحييها الله عز وجل، وكذلك هذا الإنسان ينبت من ذلك ويركب من هذه الفقرة.