[وعيد الله للمشركين تحقق في بدر]
فقال لهم الله: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي} [الأنبياء:٣٧] أي: لا تستعجلوا، فترون هذه الآيات.
وكان من آياته العظيمة ما حدث لهم في يوم بدر، فقد جاءوا بعددهم وعُددهم، وجاءوا بحدهم وحديدهم؛ لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، والإجهاز على هذا الدين.
فلما جاءوا وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم لشيء آخر، ولم يفكر أنهم سيأتون بهذا العدد.
وكان قد خرج لأخذ عير قريش، فلما وصل إلى أرض بدر علم أن قريشاً قد تجهزت وخرجت للقائه صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلث عدد الكفار، فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً.
وأما العُدد التي كانت معهم فقد كانت عُدد تكفيهم لأخذ القافلة فقط، وليس لمقاومة جيش، فإذا بهم يجدون أنفسهم فجأة أمام هؤلاء، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن رأيهم، فأجابه هؤلاء الصحابة الأفاضل وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يقاتلهم، وأنهم سيثبتون، وقالوا له: إنك لو أمرتنا أن نمشي حتى نأتي برك الغماد لأتيناها ولا نعصيك في أمرك.
وقالوا له: امض لأمر الله ونحن معك.
وقد أراهم الله سبحانه تبارك وتعالى الآيات العظيمة، فإن الكفار وفيهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وغيرهم من كبار الكفار، جاءوا ومعهم جنود الكفر في زهو وفي غرور يريدون أن يستأصلوا شأفة الإسلام والمسلمين.
فلما قدموا إلى بدر أراهم الله عز وجل آياته العظيمة، فقد كانت الملائكة تنزل من السماء ويراها الكفار تقاتل مع المؤمنين فقد كان المؤمن يرفع سيفه ليضرب به رأس الكافر فيسبقه سوط الملك في ضربه، فتخضر عين الكافر من ضربة الملك عليها قبل أن يصل إليها سيف الإنسان المسلم، فأرى الله عز وجل آياته للفريقين، للمؤمنين ليثبتوا، وللكفار ليريهم الذي كانوا يتعجلونه.
(ولذلك وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر من المشركين ونادى عليهم، فنادى على أبي جهل وعلى الوليد بن عتبة وعلى عتبة بن ربيعة وعلى شيبة بن ربيعة، وقال لهم: إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم؟ حقاً؟! فقال له عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما تسمع من أجساد قد جيفت -يعني: صاروا جيفاً في القليب، فقال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لي منهم)، يعني: هم يسمعون أكثر مما تسمعوني؛ فقد عرفوا الحق من عند الله سبحانه، وأراهم آية من آياته.
فقال لهم الله في هذه السورة المكية: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء:٣٧]، أي: فعلى ماذا تستعجلون؟ فكان حتفهم بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية، وقتل كبرائهم من مشيخة قريش الكفرة.
وفي قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء:٣٧] قراءتان، قرأها الجمهور بنون مكسورة في آخرها، فإذا وصلوها قرءوها: {فَلا تَسْتَعْجِلُونِ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [الأنبياء:٣٧ - ٣٨].
وقرأها يعقوب في الوقف والوصل بالياء في آخرها (فلا تستعجلوني)، يعني: لا تعجلوا عليّ بالطلب، فإني قد أمرت، وما أردته فهو كائن وحاصل بكم.