[القراءات في قوله (كوكب دري)]
قوله تعالى: {دُرِّيٌّ} [النور:٣٥] فيها ثلاث قراءات: (دِرِّيء) وهي قراءة أبي عمرو والكسائي.
و (دُرِّيء) هي قراءة شعبة عن عاصم، وحمزة وباقي القراء يقرءون: {دُرِّيٌّ} [النور:٣٥] كأنه من الدر، أو من الإضاءة العظيمة الشديدة.
وقوله تعالى: {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:٣٥] أي: كوكب ثاقب مضيء إضاءة عظيمة، أو كأنه الكوكب الدِّرِّي من الدرء، وهو الاندفاع، كأنه الكوكب الجاري بسرعة في السماء، فكلما ازداد جرياً ازداد إضاءة وتوهجاً، فكأن الزجاجة كوكب مضيء، إذاً: الزجاجة وحدها كأنها مضيئة، المصباح بداخلها مضيء.
يقول هنا سبحانه وتعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ} [النور:٣٥] يعني: أن الفتيل يوقد من زيت هذه الشجرة التي بارك الله عز وجل فيها، وهي شجرة الزيتون، فجعل في زيتها الفوائد العظيمة للإنسان في كل شيء، فإذا أوقد فيه مصباح كان أشد استنارة.
{لا شَرْقِيَّةٍ} [النور:٣٥] أي: لا شرقية فيحجب عنها الضوء الغربي.
{وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور:٣٥] فيحجب عنها الضوء الشرقي، ولكنها وسط، وهذا أشد لجمالها ولحسن زيتها.
يقول الله سبحانه: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ} [النور:٣٥] أي: أن زيتها الذي يوقد هذا المصباح يكاد يضيء لوحده، فلو فرضنا أن فتيلة سيخرج منها نار، ومن أجل أن نغذي هذه الفتيلة سنضع لها زيتاً، والزيت لوحده يكاد يضيء، والمصباح يضيء، والزجاجة كوكب دري، وموضوعة في مكان مغلق، فكم سيكون حجم الإضاءة التي بداخل هذا المكان؟ فهل ممكن أن يضيع منك شيء في مكان بمثل هذه الإضاءة؟ لا.
وكذلك ما يجعله الله عز وجل في قلب الإنسان المؤمن من نور الإيمان يستدل به على عظمة الخالق سبحانه، ويستدل على صدق الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وعلى العمل الصالح فيعمله، ويستدل على أن هذا حلال فيأتيه، وأن هذا حرام فيبتعد عنه، فهذا نور في قلب المؤمن يهديه الله عز وجل به إلى ما يشاء من طاعته.
قال سبحانه: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥] يعني: هذه الأنوار بعضها فوق بعض تضيء لصاحبها، وتريه الطريق المستقيم.
قال سبحانه: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥] أي: لنور الهدى، ونور الإيمان، ولنور القرآن العظيم، ومتابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكرنا في الحديث: (إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل).
فالله سبحانه وتعالى يهدي لنوره من يشاء.
قال تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} [النور:٣٥] فهذا مثال من الأمثلة العظيمة، وهو مثال: النور، ويضرب الله أمثلة كثيرة في كتابه سبحانه، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:٢٦]، فيضرب المثل بالبعوض، ويضرب المثل بالذبابة، ويضرب المثل بالنور، ويضرب المثل بالنار، ويضرب المثل بالظلمات، ويضرب الأمثلة بما يشاء سبحانه؛ حتى يقرب للإنسان فيفهم عن الله سبحانه وتعالى ما يريد أن يفهمه إياه.
إذاً: فهنا يضرب الأمثال حتى يفهم الإنسان، فإذا قرأ القرآن ولم يفهم ما أراده الله عز وجل منه ضرب له الأمثال، فحذره من الحرام، وأمره بأن يؤدي الواجبات والمستحبات فإذا لم يفعل ذلك ولم يفهم، فهذا شاء الله عز وجل أن يضل ولا يهتدي.
فالله يضرب الأمثال واضحة كهذا النور، فإذا لم يعقل الإنسان، فمعناه: أنه لا يريد أن يفهم هذا الذي آتاه من عند الله، فيستحق ما يناله من عذاب يوم القيامة.
قال تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٣٥] أي: ليس علمه محدوداً بل أحاط بكل شيء علماً، فما في السموات وما فوقها، وما في الأرض وما تحتها، كل ذلك قد أحاط الله عز وجل به علماً.