قال سبحانه:{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}[الزخرف:١٩] ت أي: هم يأنفون أن تكون لهم بنات، لكنهم لا يأنفون أن ينسبوا لله البنات سبحانه وتعالى عما يصفون.
فقد قسموا بينهم وبين ربهم في الأموال وفي الأولاد، قال الله عنهم:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا}[الأنعام:١٣٦].
أي: عندما يريدون أن يتصدقوا، يقولون: هذا لله أي: صدقة لله، وهذه لآلهتهم أي: لأصنامهم، ثم يأخذون التي جعلوها لله خالصة ويجعلونها لأصنامهم، ويقولون: الله غني عن ذلك، فهو لا يحتاج، لكن الأصنام محتاجة إليها، فهم يعرفون أن الأصنام فقيرة، لا تأكل ولا تشرب، لا تنفع ولا تضر، والله سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك.
وفي الأولاد.
نظروا إلى البنات نظرة نقص فقالوا: البنات لله، ولنا الذكور، الذي يأنفون منه يجعلونه لربهم سبحانه فالملائكة الذين هم عباد، ولم يقل عابدات، فذكرهم بصيغة الذكور، هؤلاء يؤنثونهم ويقولون: الملائكة إناث، فالذي خلقهم هو أعلم بهم وليس هؤلاء الجهال الضلال.
قال:{وَجَعَلُوا}[الزخرف:١٩] أي: ادعوا، وزعموا، ووصفوا، وسموا، ((الملائكة الذين هم عباد الرحمن)) هذه قراءة الجمهور، أبو عمرو والكوفيون: عاصم وحمزة والكسائي وخلف، وقراءة الباقين:((الذين هم عند الرحمن)) فالملائكة عند الرحمن، وليسوا عندكم أنتم، ولا ترونهم، إنما الذي يراهم هو الله سبحانه وتعالى، وشرفهم بالعندية، وأخبر أن هذا غيب، {الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ}[الزخرف:١٩] يفعلون ما يأمرهم الله سبحانه وتعالى، ويجتنبون ما ينهى عنه، ولا يعصون الله أبداً.
{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف:١٩] أي: يقول مبكتاً لهم هل حضروا خلق الملائكة حتى يقولوا ذلك؟! أم أنهم يفترون على الله الكذب؟ وهذه قراءة الجمهور.
وقرأها المدنيان: نافع وأبو جعفر، ((أأشهدوا خلقهم)) أي: هل أشهدهم الله عز وجل خلق الملائكة؟ فإذا قالوا: شهدنا، كتب عليهم ذلك، ويسألهم يوم القيامة، والسؤال هنا للتبكيت، وللتعذيب؛ لأنهم لم يشهدوا شيئاً، ولم يشاهدوا شيئاً، فإذا افتروا وقالوا: نعم رأينا الملائكة، إذاً سنكتب هذه الشهادة، ونعذبكم عليها يوم القيامة.