قوله:(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) أي: الحقوا أنفسكم فقد أعذر الله وأنذر خلقه وبصرهم وبين لهم، فلا عذر لأحد بعد البيان؛ لأنهم يؤمنون أنه الرب، وكان الكفار إذا سئلوا: من ربكم وخالقكم؟ قالوا: الله، ولكنهم لا يؤمنون.
فيقول لهم: استجيبوا للرب الخالق سبحانه الذي يدعوكم إلى توحيده وعدم الشرك به: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) ونكر اليوم تعظيماً له، أي: يوم فضيع وعظيم وهو يوم القيامة لا مرد له من الله، وقوله تعالى:(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ)، أي: مستحيل أن يُرّد هذا اليوم، فلا يقدر أحد أن يؤخره يوماً ولا ساعة.
وقرأ حمزة هذه الآية بمد (لا) النافية متوسطاً فيها للمبالغة في النفي، وليس هنا همزة حتى تمد، وإنما هذا النوع من المد يسمى للمبالغة في النفي، أي: أنه مستحيل أن يرد هذا اليوم، كما قرأ:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:٢] بمد مبالغة في النفي، أي: أنه مستحيل أن يشك في هذا أنه من عند الله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى:(مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) أي: إلى أين تلجئون؟ قال تعالى:{لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ}[التوبة:١١٨] أي: ما لكم حصن تتحصنون فيه من عذابه، والإنسان يلجأ إلى الشيء الذي يجيره ويعيذه ويعصمه، وهذا الملجأ يوم القيامة لا يكون إلا إلى الله.
ومعنى قوله تعالى:(وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) أي: لا تقدرون على الإنكار؛ لأنه تشهد عليكم جلودكم وأيديكم وأرجلكم وأنفسكم وأبدانكم فلا تقدرون على الإنكار أمام الله سبحانه، ولا تجدون من ينكر على الله ما يصنع بكم، أما في الدنيا فقد ينكر على فلان ما هو فيه من شر، كأن يضرب خادمه، فمن هذا الذي ينكر على الله أن يعذب هؤلاء في النار؟ لا أحد، فهو القائل جل شأنه:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}[غافر:١٦] فلا يستطيع أحد أن يجيب، فيجيب نفسه ويقول:{لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر:١٦].