للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التحذير من انتقاص الأنبياء]

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رجل من اليهود في المدينة -يعني بسوق المدينة- والذي اصطفى موسى على البشر! -كأنه يعرض بالنبي صلى الله عليه وسلم- فغضب الصحابي ولطم اليهودي وقال: تقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اصطفاه الله وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام؟! فذهب اليهودي يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وذكر هذه الآية: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨] قال: (فأكون أول من رفع رأسه، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله عز وجل).

قال صلى الله عليه وسلم: (ومن قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب).

يعني: أنه لا ينبغي أن تفضلني على الأنبياء تفضيلاً تنتقص به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويونس ذكر الله عز وجل في القرآن أنه ممن عاتبه بقوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧] فقد عاتبه الله وعاقبه بسبب أنه خرج من قريته لما غضب من قومه ولم يستأذن ربه سبحانه، فتوجه إلى قرية أخرى يدعوهم إلى الله بغير أن يأذن الله عز وجل له، فلما فعل ذلك عاقبه الله بأن التقمه الحوت في القصة المعروفة، قال الله: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣ - ١٤٤].

فقد عاقبه الله سبحانه لأنه خرج ولم يستأذن ربه سبحانه، وهذا لو فعله أحد من الدعاة كأن كان في مكان والناس أساءوا إليه ولم يستجيبوا له ثم ذهب إلى مكان آخر يدعو إلى الله فإننا سنقول: أحسن حين ترك هؤلاء وذهب لآخرين فقد يستجيبون له، لكن النبي ليس له أن يخرج من مكان إلى مكان إلا بعد أن يستأذن ربه سبحانه وتعالى.

فعذر يونس عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله هو: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:٨٧] أي: ظن أن لن نضيق عليه، وأن الأمر واسع، يدعو هنا أو يدعو هنا المهم أن يدعو إلى الله، لكن الله عز وجل كان يبعث كل نبي إلى قومه خاصة، والذي بعث للناس عامة هو نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فلذلك لم يكن ليونس أن يخرج من بلده إلى بلد آخر حتى يستأذن الله.

فلعل الذي يسمع قصة يونس عليه السلام يقول: إن الله عاقب يونس على هذا الشيء، وينتقص يونس عليه الصلاة والسلام بسبب ذلك؛ لذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقص من قدره، فلا ينبغي لأحد أن يقول: محمد أحسن من يونس، لأن يونس فعل كذا والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل كذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تخيروني على يونس بن متى) على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقال: (من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب).

لا شك أن النبي خير من يونس وخير من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لكن الأمر الذي يقصده النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يفضل النبي صلى الله عليه وسلم على يونس لأجل أن ينتقص من قدر يونس عليه الصلاة والسلام، فهذا لا يكون.

كذلك في قصة الصحابي مع اليهودي الذي قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فالصحابي غضب ولطمه وقال: تقول هذا وفينا النبي صلى الله عليه وسلم، لا بل إن نبينا أحسن من موسى عليه الصلاة والسلام، ولعله يقول في وقت الغضب ما ينتقص به النبي الكريم موسى عليه الصلاة والسلام.

إذاً الذي يقول: محمد خير من موسى أو غيره على وجه الانتقاص فهذا كذاب؛ لأن كل الأنبياء قد فضلهم الله سبحانه وتعالى، وجعل لهم مرتبة عالية عظيمة، ولكن الله يرفع بعضهم على بعض سبحانه وتعالى، فجعل نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره، فإن الله يفعل ما يشاء، {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:٢٥٣]، فالله هو الذي فضل بعضهم على بعض، وليس أنت الذي فضلت بعضهم على بعض، فالله فضلهم وكرمهم جميعهم عليهم الصلاة والسلام، فليس لنا أن ننتقص أحداً منهم، فنفضل من فضله الله سبحانه ولا ننتقص الآخرين، بل نقول: كلهم على خير، وكلهم أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، ونصلي عليهم جميعاً، ونقول: خيرهم وأفضلهم بتفضيل الله عز وجل هو نبينا صلوات الله وسلامه عليه ولا ننتقص أحداً منهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>