قال تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج:٣٠] الرجس يطلق على الشيء القذر، وفي القرآن تأتي كلمة الرجس والرجز، والرجز أصل معناها العذاب، والرجس معناها العذرة والنتن، والرجس تحتمل المعنيين كأنه يقول:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}[الحج:٣٠] يعني القاذورات والنجاسات من هذه الأوثان التي من عبدها أدخلته في رجز من عذاب الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}[الحج:٣٠] يقال: وثن الشيء إذا أقام في مقامه، فالشيء القائم الذي يعبد من دون الله يسمى وثناً سواء كان من خشب أو من حديد أو من ذهب أو فضة أو صليب، هذا كله من الأوثان، ولذلك قال عدي بن حاتم:(قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب)، كان نصرانياً وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم لابساً صليباً من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ألق هذا الوثن عنك) فسماه وثناً، فالشيء الذي يعبد من دون الله سبحانه تبارك وتعالى على هيئة خشبة أو حديدة أو تمثال هو من الأوثان.
ويسمى الصنم وثناً؛ لأنه ينصب ويركز في مكان فلا يبرح عنه، فهو شيء قائم في مكان لا يرفع من هذا المكان الموجود فيه.
وسماه رجساً؛ لأنه سبب للرجز وسبب لعذاب الله سبحانه؛ ولأنه أيضاً من القاذورات التي كانوا عليها في الجاهلية، والرجس النجس، فالأوثان نجسة حكماً، وقلوب الذين يعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى نجسة، وإن كان التمثال لو مسه الإنسان لا نقول له: انتقض وضوءك أو توضأ، لكن من عبده فقد دخل في قلبه الرجس والنجس وقاذورة الكفر.
قال الله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج:٣٠] حرم الله سبحانه وتعالى قول الزور في هذه الآية، وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور)، كان متكئاً فجلس يعني اشتد غضبه صلى الله عليه وسلم لما ذكر شهادة الزور، فقال ذلك حتى قال الصحابي:(حتى قلنا: ليته سكت!) يعني أشفقوا على النبي صلى الله عليه وسلم من شدة غضبه حين ذكر قول الزور.
فالله سبحانه تبارك وتعالى ينهانا عن الشرك بالله سبحانه، وينهانا عن قول الزور وشهادة الزور.
ثم قال:{حُنَفَاءَ لِلَّهِ}[الحج:٣١]، يعني كونوا مستقيمين لله سبحانه تبارك وتعالى على الحق مبتعدين عن الباطل، وكلمة حنفاء من ألفاظ الأضداد معناها الاستقامة ومعناها الاعوجاج، فأصل معناها حنف عن الشيء بمعنى مال، ولكن صار المعنى الشرعي لها دالاً على الاستقامة، يعني البعد عن الكفر والاستقامة على طريق الله سبحانه تبارك وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.