[تفسير قوله تعالى:(ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم)]
قال تعالى:{وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}[غافر:٨٠] فجعل الله عز وجل لكم فيها منافع، تنتفعون للتجارة بها، وتنتفعون بأخذ أصوافها وأوبارها وأشعارها، وأخذ كسائكم من أصوافها وغير ذلك، وبأن تصنعوا بيوتاً ترحلون عليها في يوم ضعنكم وترحالكم، وتنتفعون منها منافع كثيرة، قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[إبراهيم:٣٤].
قال تعالى:(وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) أي: لتقطعوا عليها مسافات واسعة وأراضي شاسعة، تريدون أن تسافروا من قطر إلى قطر لحاجة في نفوسكم وفي صدوركم، فتركبون عليها فتوصلكم، وتقطع بكم الفيافي والصحراء، وتسير بكم من بلاد إلى بلاد؛ لتبلغوا عليها ما تحتاجونه من أشياء، وما تهتمون لأمره وتكنونه في صدوركم، ولتبلغوا عليها حاجة قد لا تخبرون بها الناس، ولكن هي في صدوركم، والله عز وجل يبلغكم بذلك.
قال تعالى:(وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أي: ليست وحدها فقط التي تركبون عليها، ولكن أيضاً كما جعلها في البر جعل في البحر الفلك، وسخرها لكم، وصنعتم السفن وبنيتموها وركبتموها وانتقلتم عليها من مكان إلى مكان بفضل الله سبحانه، فهذه من نعم الله سبحانه.
والإنسان ضعيف، ومع ذلك سخر الله عز وجل له هذا الحيوان القوي، ولو شاء الله عز وجل لجعل الحيوان شرساً ليس أليفاً، ولجعله نافورة لا يطيع، ولكن الله سبحانه بفضله وبكرمه يسره لكم، وذلل لكم هذه الأشياء، ويرينا ربنا سبحانه في هذا الكون أشياء أخر، حتى لا يتطاول الإنسان ويقول: أنا أقدر على كل شيء، يريه من خلقه سبحانه ما لا يقدر الإنسان عليه، يريه الأسد، ويريه النمر فلا يستطيع الإنسان أن يركبه أو يسافر عليه من مكان إلى مكان، لا يقدر مهما روضه، فالإنسان لا يزال خائفاً منه، فتراه يأخذ الأسد ويخلع أسنانه، ويجعله في السرك ليلعب به، ويري الناس أنه قوي، وفجأة يأتي الأسد على رقبته ويعضها، أو يأكل الإنسان فيخيف صاحبه، ويرينا الله سبحانه وتعالى آياته.
فليس كل شيء في الكون تقدر عليه أو تقدر على ترويضه، ولكن الله سبحانه هو الذي يسخر ما يشاء، فسخر بهيمة الإنعام لكم لتأكلوا منها ولتركبوا عليها، وجعل لكم فيها من الحرث ومن الزرع ما تستفيدون به، فهذا من فضله سبحانه وتعالى.