[ما وعد الله به رسوله يوم الأحزاب]
ثم من الله عز وجل على المؤمنين ووعدهم أيضاً: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب:٢٧].
أي: سنعطيكم أرضاً لم تطئوها، ولما هاجروا من مكة إلى المدينة منعوا من مكة ولم يستطيعوا أن يرجعوا إلى مكة مرةً ثانية، فالله عز وجل يعدهم وعداً حقاً يقول: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب:٢٧] وهي مكة، فكان هذا الوعد بعد ثلاث سنوات حيث فتح الله عز وجل للمؤمنين مكة فدخلوها ووطئوها وصارت أرضاً للإسلام، ولا هجرة بعد ذلك من مكة إلى المدينة.
قال: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب:٢٧] كان ممنوعاً عليكم أن تذهبوا إليها، حتى إنه في الحديبية بعد غزوة الخندق ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة في ألف وخمسمائة من المسلمين، فهم عدد قليل يذهبون ليعتمروا لا يخافون إلا الله سبحانه وتعالى، ثم هم يمنعون وكادوا يقاتلون، ثم إذا بالكفار يتعاهدون مع المسلمين: أن ارجعوا هذا العام، وتعالوا في العام القادم لتدخلوا مكة.
فاعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضية سنة ثمان للهجرة وتوجه إلى مكة، ومعه حوالي خمسمائة فقط، ثم إذا بالله تبارك وتعالى يفتح للنبي صلى الله عليه وسلم مكة في السنة التي تليها، ففي سنة سبع للهجرة دخل عدد قليل مكة وقال لهم المشركون: لكم ثلاثة أيام فقط، ثم بعد ذلك فتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة بفضل الله سبحانه.
فهم لم يكونوا يقدرون على أن يطئوها فوصلوها بعد ذلك وصارت أرض إسلام قال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب:٢٧] يا ترى مكة فقط؟ لا، وإنما دخلوا مكة ثم توجهوا إلى هوازن والطائف، وفتح الله عز وجل لهم بلاداً كان مستعصية عليهم.
وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى الطائف يدعوهم إلى الله، وكانت قريش قد شددت عليه وآذته حتى خرج وترك مكة ثم توجه إلى الطائف؛ فإذا بهم يقفون له صفين ويرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه صلوات الله وسلامه عليه، ثم إذا بالطائف تفتح بعد ذلك، {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب:٢٧] فتحت.
ولما توجهوا إلى حنين وكانوا في قوة ظن المسلمون أنهم بقوتهم يفتحون هذا المكان فما استطاعوا، ووقف لهم الكفار في الشعاب فرشقوهم بالسهام والرماح، ففروا وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء النصر من عند الله سبحانه، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الكفار يقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) صلوات الله وسلامه عليه، وإذا به ينادي على الأنصار فيأتون إليه، وقبل أن يأتوا جاء النصر من عند الله، وبدأ من مع النبي صلى الله عليه وسلم يأسرون من الكفار بفضل الله ورحمته؛ ليعلم الخلق أن النصر من عند الله سبحانه، قال تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧].
وكان الله على كل شيء مما وعدكم ومما لم يعدكم به قديراً، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب:٢٧] لا ترد قدرته، ولا يجوز عليه العجز، تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً.
ولما جاء الفتح، وجاءت المغانم، وفتحت الدنيا على المسلمين، فإذا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم ينظرن إلى المال الطيب ويقلن: أعطنا مما أعطاك الله.
وهنا تأتي آيات التأديب لنساء النبي صلوات الله وسلامه عليه، فنساء النبي صلى الله عليه وسلم طاهرات مطهرات، فربنا تبارك وتعالى اختارهن لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
الدنيا لم يطلبها صلوات الله وسلامه عليه، وكان يقول للمؤمنين: (ليس لي من أموالكم ولا من هذه المغانم غير الخمس) ليس لي منها أكثر من ذلك ولو شعرة من بعير، والخمس ماذا سيعمل به رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ يقول: (والخمس مردود عليكم) سأرده عليكم في الضيوف الذين ينزلون علينا وفي الفقراء والمحتاجين، وفي الأرامل واليتامى، والذي يموت وعليه دين فأنا أسدد عنه هذا الدين، فإذا مت أنا فليس لي من المال شيء، ولا لآل محمد ولا لنسائه صلى الله عليه وسلم، بل هو صدقة على المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة) المال الذي نتركه يكون صدقة لا أحد يرث من هذا المال من أهالينا، فلم يمتع النبي صلى الله عليه وسلم بمال في الدنيا صلوات الله وسلامه عليه.
فكان نساء النبي عليه الصلاة والسلام يطلبن النفقة والنبي صلى الله عليه وسلم يصبر عليهن، حتى بدأت بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم تغاضبه على النفقة في سؤالها، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يغضب منهن، وينزل القرآن يخيرهن: إما أن تعشن على هذا الوضع الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الآخرة، وإما أن يفارقكن بالمعروف كما سيأتي في الدرس القادم إن شاء الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.