وفي الحديث عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)، وهذا أدب آخر يختص به بيت الله عز وجل، فإذا دخلت المسجد فلا تقعد حتى تصلي ركعتين تحية المسجد.
وفي حديث آخر يقول أبو قتادة:(دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فجلست، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قلت: يا رسول الله! رأيتك جالساً والناس جلوس، قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين)، فمن السنة ألا تقعد إذا دخلت بيت الله عز وجل مباشرة، بل لابد أن تفرق بين المسجد وبين غيره، فتصلي ركعتين تحية المسجد، ثم تجلس بعد ذلك.
وتحية المسجد سنة على قول جماهير أهل العلم، وذهب البعض إلى أن تحية المسجد واجبة، واحتجوا على ذلك:(بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة فدخل سليك الغطفاني والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس الرجل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم وأن يصلي ركعتين، وأن يتجوز فيهما)، قالوا: وسماع خطبة الجمعة واجب، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمره أن يقوم وأن يصلي ركعتين دليل على أنه سيترك الواجب، فليس من الممكن أن يترك الواجب لأجل المستحب على قولهم، فعلى ذلك يترك الواجب للواجب، فقام فصلى ركعتين تحية المسجد، فعلى ذلك تكون ركعتا تحية المسجد واجبتين، وهو قول البعض من الظاهرية، كـ داود بن علي، وأما ابن حزم فذهب إلى أنها سنة وليست فريضة، وهو الصواب.
ودليله ما جاء في حديث المعراج: قال الله عز وجل: (هن خمس في العدد وهن خمسون في الأجر، أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي)، فالصلوات المفروضات خمس من عند الله عز وجل، وهن في الأجر خمسون.
ومن الأدلة: حديث الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل علي غيرهن؟! قال: لا، إلا أن تتطوع)، فدل ذلك على أن غير الصلوات الخمس لا تكون فريضة إلا ما كانت الصلاة فيها فرض كفاية مثل: صلاة الجنازة، وأما غير الصلوات الخمس فليست بفريضة إلا أن يكون نذراً نذره الإنسان على نفسه.
وقد ذكر أهل العلم: أن تحية المسجد لو كانت واجبة لوجب على كل من دخل أن يصليها، ويلزم من ذلك عدم جواز دخول المسجد إلا على وضوء.
يقول القرطبي رحمه الله: ولا أعلم قائلاً بذلك.
وهذا الاستدلال صحيح، إذ لو كانت واجبة لما جاز لأحد أن يدخل المسجد إلا وهو متوضئ؛ لأنه يلزمه أن يصلي تحية المسجد، ولكن أهل العلم يقولون بجواز أن يكون متوضئاً أو غير متوضئ، فإن لم يكن متوضئاً جاز له أن يجلس، ولكن الأفضل فيه أن يكون على وضوء حتى يصلي ركعتين تحية المسجد.