للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تأمين الحرم]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين: قال الله عز وجل في سورة القصص: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ * وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [القصص:٥٧ - ٦١].

ذكر الله سبحانه وتعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه كلام المشركين وعذرهم الكاذب في عدم دخولهم في دين النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جل شأنه: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:٥٧].

يعني: لن نؤمن لك لأننا معذورون، فلو آمنا بك لعادانا كل العرب، فلا نقدر على معاداتهم، فيتخطفوننا من ديارنا، وسينقلب علينا جميع العرب ويقتلوننا.

فقال الله سبحانه تبارك وتعالى مكذباً لهؤلاء: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص:٥٧] أي: فمتى حصل لهم هذا الشيء؟! والعرب عادتهم في الجاهلية أن يغير بعضهم على بعض، ويأكل بعضهم مال بعض، ويغتصب بعضهم نساء بعض، وأهل الحرم قد عصمهم الله سبحانه وتعالى من هؤلاء وأجارهم منهم بأن جعل لهم حرماً آمناً بقضاء الله وقدره، وكذلك بشرعه سبحانه تبارك وتعالى.

فلم يحدث فيهم هذا الشيء الذي يزعمونه وهم على جاهلية وشرك، فهل يحدث ذلك وهم على التوحيد، قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص:٥٧].

فهاتان نعمتان من الله سبحانه تبارك وتعالى وهما من أعظم النعم عليهم، قال تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:٤] أي: أمنهم من غيرهم من العرب فلا يقدر أحد أن يغزو ديارهم، وإن أراد إنسان أن يفعل ذلك قصمه الله سبحانه تبارك وتعالى.

ثم أطعمهم من جوع وأتت إلى بلادهم ثمرات الأرض من كل مكان، فهذه النعم تستحق منهم شكر الله عز وجل، لأنها من الله، قال تعالى: {رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص:٥٧] أي: ليس بأيديهم، فليس هم الذين زرعوا، ولا يوجد مكان للزرع في مكة، ولكن رزقهم الله بأن ساق إليهم الثمرات من الشام واليمن ومن غيرهما ليأكلوا ويشكروا نعم الله سبحانه وتعالى.

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:٥٧].

فهؤلاء الكفار ليس عندهم يقين في ذلك ولا لديهم عقول تهديهم إلى أن يتفكروا ويشكروا خالقهم سبحانه، فإذا كانوا كذلك فهم يستحقون عقوبة رب العالمين بأن يهلكهم، وليس هذا بغريب على أمر الله سبحانه، فإن من عصاه وعادى أولياءه قصمه الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>