الصدقة عظيمة جداً، وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في فضل الصدقة التي تخرجها لله سبحانه، والأجر الذي يكون عند الله، منها ما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب)، أي: من تصدق بنحو تمرة أو ما يشابهها، كأن أعطيت فقيراً ثمرة أو ثمن ثمرة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(بعدل تمرة)، أي: بأقل ما وجد، فالله عز وجل يعلم أن هذه إمكانياتك التي تقدر عليها، فيقبل منك بكرمه وفضله وجوده ذلك.
قال رسول الله:(فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل)، الفلو: المهر الصغير، فهو يشبه نماء الصدقة بالحصان الصغير الذي تعلفه وتطعمه وتسقيه إلى أن يصير كبيراً، فكذلك الصدقة التي تصدقت بها فإنها كانت تمرة بسيطة فإذا بالله ينميها لك سبحانه، فيعطيك عشر أمثالها، أو سبعمائة ضعف فيها، أو ما شاء الله عز وجل من أجر عليها، وعندها تصير التمرة جبلاً عظيماً من الحسنات بفضل الله وكرمه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(سبق درهم مائة ألف درهم)، فالدرهم كان لإنسان فقير، كل ثروته درهمان فتصدق بدرهم، فهو أنفق نصف ثروته، والآخر له مال عظيم كثير فتصدق من عرض ماله بمائة ألف، فله أجر عظيم عند الله على المائة ألف، ولكن من نظرة أخرى فإن الأول تصدق بنصف ثروته، والثاني تصدق بشيء من ماله، أو بعشر ثروته، أو غير ذلك، فكأن الدرهم سبق المائة الألف، ولكل أجر وخير عند الله سبحانه وتعالى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة:(ما نقص مال من صدقة)، وهذا وعد من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعدنا لأن الله أوحى إليه بذلك، وقد ذكر في حديث آخر أنه قال:(ثلاث أقسم عليهن وذكر منها: وما نقص مال من صدقة).
فثق في وعد الله عز وجل على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا أنفقت مالك فإنه لا ينقص بسبب الصدقة، وإنما ينميه الله ويبارك فيه سبحانه وتعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً).
والنظرة في هذه الأحاديث كلها نظرة دنيوية ونظرة أخروية، فنظرة الدنيا هي أنك إذا أنفقت من مال الله أتاك الناس ونصحوك بإبقاء مالك فلعلك تحتاجه، فتوقن بأن مالك لن ينقص، بل سيزيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما نقص مال من صدقة).
والنظرة الدنيوية الأخرى هي العفو، وذلك حين يعفو الإنسان عمن ظلمه، فنظرة الناس والأهل والأصدقاء أن هذا العفو ضعف من الإنسان.
أما نظرة الآخرة فهي أنك قد تعززت بذلك، فيزيدك الله عز وجل بهذا العفو عزاً عنده سبحانه وتعالى وعند الخلق، فتصير عزيزاً حتى وإن تكلم عليك الناس، ولكن الله عز وجل يجعل لك عزة على الناس بسبب ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً).