ثم عندما يطوفون بالبيت كانوا يطوفون عراة ليس عليهم ثياب، إلا إذا كان من أهل مكة ومن الحمس الذين فيها فيحق له أن يعطيهم من ثيابه فيلبسونها، وهم يحتجون على صنيعهم هذا بأنهم عصاة مذنبون فلا يستطيعون عبادة الله بهذه الثياب الملوثة بالأقذار والمعاصي، والحق أن هذا كلام فارغ لا يعقل، ومع ذلك يصدق بعضهم بعضاً؛ لأن الكفر جمعهم، وجمعتهم كذلك عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فهم مضطرون أن يصدق بعضهم بعضاً في الظاهر، كما زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر وكذاب مع أنهم في أنفسهم يعلمون أنه ليس بساحر أو كذاب، وقد كان أكثر من دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الوليد بن المغيرة، فقد قال لهم: أنا عرفت شعر العرب ونثرها، وعرفت لغة العرب، وعرفت كلام الكهنة والسحرة فلم أجده من هؤلاء، فاحتال عليه أبو جهل وقال له: لقد تركت قومك يجمعون لك المال، فقال: لماذا يجمعون لي المال؟ فقال: لأنهم يزعمون أنك تريد أن تتبع محمداً ليعطيك من المال؟! فإذا بالنعرة تأخذه، وأبو جهل يستغل الفرصة ويقول له: قل فيه شيئاً، وكان قد قال الوليد بن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن القرآن العظيم: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر، لما قال ذلك، فلما أثاره أبو جهل على النبي صلى الله عليه وسلم قال ما قاله، فيقول الله سبحانه ذاكراً صفة هذا الرجل:{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}[المدثر:١٨ - ٢٤]، وهو الذي يقول: بأنه عرف كلام السحرة والكهنة، وهذا ليس بساحر أو كاهن، ثم في النهاية يقول مجاملة لقومه؛ لكي لا يقولوا عنه: إنه يريد أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم لكي يعطيه مالاً: (إن هذا إلا سحر يؤثر)! فالكفار يقولون بألسنتهم ما لا يعتقدونه في قلوبهم، وهم كذلك في كل زمان ومكان، وقد حذرنا الله من الكفار بقوله:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤]، فالله تعالى هو الذي خلقهم، وهو أعلم بما في نفوسهم، ومع ذلك يقع المسلمون ضحايا لتصديق هؤلاء الكفار فيما يكذبون وفيما يقولون عن دين الله سبحانه تبارك وتعالى.