للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها)]

قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:٤٠] السيئة: الشرك فما دونه، إذا أساء الإنسان جوزي على هذا العمل الذي عمله، فإن وقع في الشرك وقع في النار والعياذ بالله، وإن وقع فيما هو دونه فالسيئة بسيئة مثلها، بما يسوءه عند الله عز وجل، وقد يعفو ربنا سبحانه عما هو دون الشرك، أما الشرك فلا يغفره الله عز وجل.

وقوله تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [غافر:٤٠]، حتى لا يظن أن الثواب والجنة للذكران دون الإناث، فالإنسان سواء كان ذكراً أو أنثى الذي يعمل العمل الصالح قل أو كثر، وهو مؤمن -أي: بشرط الإيمان- هو الذي يتقبل الله منه عمله، فالمؤمن ينتفع بعمله الصالح، أما الكافر فمهما عمل صالحاً فإنه يجزى به في الدنيا، أما يوم القيامة فيقول الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣]، فالكافر ظلم نفسه بأن كفر بالله وأشرك به وجحد، وجعل لله نداً وهو الذي خلقه سبحانه، فاستحق ألا يعطى شيئاً في الآخرة؛ لأن شركه أحبط جميع عمله، لكن المؤمن جاء بهذا الإيمان العظيم الذي يقبل به العمل وإن قل.

قال تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [غافر:٤٠] يقال لهم: ادخلوا الجنة فيدخلون الجنة، وفي قوله تعالى: ((يُدْخَلُوْنِ الْجَنَّةَ)) قراءتان في هذه الكلمة.

{فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [غافر:٤٠] أي: يأمرهم الله سبحانه بدخول الجنة جزاءً بما كانوا يعملون، يأتون إليها ويدخلونها، فيدخلون الجنة، وتدلهم الملائكة: هذا طريقكم، هذه بيوتكم، هذه جنتكم، ولم يدخلوا الجنة بأعمالهم لتكون ثمناً، وإنما أعمالهم سبب لدخول الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)، والله عز وجل يقول: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:٣٢]، فصدق الله عز وجل، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، فربنا يقول: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:٣٢] والباء للسببية، أي: بسبب ما كنتم تعملون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) والباء هنا للثمنية، أي: عملك ليس ثمناً للجنة؛ لأن الجنة أغلى بكثير من عملك الذي عملته، إنما عملك سبب للجنة، فيرضى الله عز وجل عنك ويدخلك الجنة برحمته وهو أرحم الراحمين سبحانه.

وقوله تعالى: {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:٤٠] أي: يرزقون في الجنة، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقال تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:١٥]، وقال تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٢ - ٢٤]، وقال تعالى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:٥٢]، وقال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:٦٨] هذه هي الجنة العالية، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.

وقوله تعالى: (بِغَيْرِ حِسَابٍ) أي: بلا نهاية، فليس هناك نهاية للجزاء، فالله عز وجل قال: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤] أي: تهنوا بما في هذه الجنة، فقد تعبتم في الدنيا وعملتم، فهذا اليوم يوم الجزاء ويوم الراحة، تستريحون في الجنة فلا كدر ولا تعب ولا نصب فيها ولا خروج منها، ولا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، فهي جنة الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>