[تفسير قوله تعالى:(وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا)]
ثم ذكر الله عز وجل مشهداً من مشاهد يوم القيامة، فبعد أن فعل الكافرون ما فعلوا رجعوا سريعاً إلى الله؛ ليجازيهم على أعمالهم القبيحة السيئة، فانتقل من مشهد في الدنيا إلى مشهد آخر في يوم القيامة، وهو عقوبتهم في النار فقال سبحانه:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ}[فصلت:٢٩] فالكفار يطلبون من الله، ففي ذلك الوقت عرفوا ربهم، وما كانوا يدعونه في الدنيا إلا إذا نزل بهم الضر، فإذا كانوا في وقت الرخاء لم يطلبوا ربهم ولم يدعوه سبحانه وتعالى، فذكر أنهم قالوا يوم القيامة - متوسلين إلى الله عز وجل -: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ}[فصلت:٢٩] شياطين الإنس وشياطين الجن الذين أضلونا وأبعدونا عن دين الله سبحانه، وأغوونا في هذه الدنيا عن كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأهل النار يريدون أن يفتكوا بمن ضلوهم، ويدوسوهم بأقدامهم في نار جهنم.
قال الله عز وجل عنهم:{رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا}[فصلت:٢٩] اللذين أي الاثنين، وقرأها ابن كثير بتشديد النون فيها، وبالقصر والتوسط والمد في الياء.
وقوله:{نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا}[فصلت:٢٩] أي: ندوسهم بأقدامنا في نار جهنم، {لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ}[فصلت:٢٩] في أسفل نار جهنم وفي قعرها تشفياً؛ بسبب ما صنعوا فيهم! هذا الكلام يقوله الذين كانوا يستضعفون في الدنيا عند الأكابر الذين كانوا يأمرونهم بفعل المنكر وارتكاب المعاصي ويعدونهم بالدفاع عنهم، فكان هؤلاء المستضعفون من الكفار يأمرهم كبراؤهم بالمنكر، وهم بما في قلوبهم من حقد على دين الله عز وجل، واتباع للهوى وللشيطان، وبما في قلوبهم من فتنة وحب لما هم فيه من مناصب وغيرها يطيعون هؤلاء الكبراء طاعة عمياء في معصية الله سبحانه {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٢٦]، فالكفار يبحثون عمن أضلهم من الكبراء الذين اتبعوهم وأطاعوهم في الدنيا، فقالوا:{رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ}[فصلت:٢٩] هذا مشهد من حال الكفار في النار.