[أهمية الحرص على الوقت وعدم تضييع وقت الآخرين]
على الإنسان إذا دعي إلى طعام ألا يكون ضيفاً ثقيلاً على من يذهب إليه، فإذا دعاك إنسان إلى طعام تذهب في وقت الدعوة الذي حدده المضيف وليس قبل هذا الوقت.
وعلى الإنسان أن يفي بوعده، وأن يلتزم بالمواعيد، فوقت المسلم غال، يقضي وقته في ذكر الله عز وجل، يقضيه في قضاء حوائجه، يقضيه في عمله، يقضيه مع أهله وأولاده، يقضيه في صلاة، يقضيه في عبادة، فعلى كل إنسان أن يراعي وقت الآخر، وإذا كان يريدك لحاجة لا تقل: دعوه ينتظر! وبعض الناس قد يزور آخر في وقت متأخر من الليل، فيضيع عليه عمل اليوم التالي أو يضيع عليه صلاة الليل، فهذا ما عرف قيمة الوقت.
فانظروا إلى هذه الآية كيف تؤدب الصحابة إذا دعوا إلى طعام، حتى لا يضيعوا وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أكلوا ينصرفون ولا يستأنسون لحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان طيب العشرة، وكان لا يواجه أحداً بما يكره، دخل عليه رجل فقال وهو داخل: (بئس أخو العشيرة)، فعندما جلس إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم معه ويتبسط معه ويضحك معه، صلوات الله وسلامه عليه.
فربنا يؤدب المؤمنين والنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يؤانسك بالحديث ليس معنى هذا أنك تجلس وتأخذ راحتك وتضايق النبي صلى الله عليه وسلم، {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} [الأحزاب:٥٣]، فعلى الضيف إذا دعي إلى الطعام أن يذهب في الموعد الذي حدد له، لا بعده ولا قبله، فإذا فرغ من الطعام فلينصرف ولا يجلس إلا أن يمسك به صاحب البيت، ويصر على مكثه فهذا أمر آخر، ولكن دائماً عود نفسك إذا دعاك إنسان ألا تمكث بعد الطعام كثيراً، حتى لا تضايق صاحب البيت، ولا تضطره أن يقول لك: ورائي شغل، ورائي كذا، أريد أن أنام، فتحرج صاحب البيت في ذلك.
قال ربنا سبحانه: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ} [الأحزاب:٥٣] أي: أكلتم {فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ} [الأحزاب:٥٣] من الأنس، والأنس: ضد الوحشة، فالأنس يكون بالمحادثة اللطيفة، وبطيب المجلس، وبطيب المعاشرة.
فالمعنى: حتى لو بدا لك من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا تستأنس بحديث، وتعود لتسأله عن شيء وراء شيء، وتتكلم وتطيل المجلس، وهذا أدب للصحابة وغيرهم أولى بهذا الأدب.
فعلى الإنسان أن يتأدب بهذا الأدب، فإذا أدخلك إنسان بيته لطعام فلا تطل في الكلام معه، فهو قد يريد أن يقوم من الليل، يريد أن يصلي الفجر، يريد أن يحضر الدروس، يحترم بعضنا وقت بعض، فالوقت عظيم جداً، الوقت فرصة عمرك ولن يعوض مرة ثانية، فلا تضيع وقتك ولا وقت غيرك، فالوقت غال جداً، الوقت هو عمرك، الوقت كالذهب، الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، الوقت عظيم، إذا ذهب لا يعوض أبداً، فلا تضيع وقتك ولا وقت غيرك.
فعلينا أن نراعي هذا الأدب الذي علمناه الله تبارك وتعالى، وهو أدب الضيافة، وأدب الحديث، وعدم الإكثار من السؤال، وعدم تضييع أوقات الناس، إذا رأيت أخاك في المسجد يقرأ القرآن لا تقل له: تعال نتكلم قليلاً وتشغله عن القرآن، فالقرآن أعظم الأشياء، دعه يقرأ القرآن ويتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
وإذا رأيت إنساناً جالساً في المسجد من الفجر إلى الشروق من أجل أن يذكر الله، ويعمل بحديث: (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر عمرة تامة تامة تامة)، فلا تجلس لتكلمه وتضيع عليه أجر العمرة التامة.
عود نفسك أن تستأنس بالله تبارك وتعالى، كثير من الناس لا يعرف هذا الشيء؛ فإذا جلس وحده لذكر الله يمل بسرعة؛ لكن إذا جلس يتكلم مع غيره فقد يجلس ساعات، فعود نفسك على الأنس بالله سبحانه، وأن تجلس وتتفكر في الله سبحانه، إذا سبحت تتأمل في معنى التسبيح، إذا حمدت الله سبحانه تتفكر في معنى الحمد، {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].
عود نفسك على الخلوة مع الله تبارك وتعالى، وسيأتي رمضان وكثير منكم سيعتكف، لكن قد تجد الاعتكاف يتحول إلى سمرة، تراهم ساهرين يتكلمون، والنهار يضيعونه في النوم، وهكذا تضيع الأيام من غير فائدة كبيرة.
فلنعود أنفسنا على الخلوة مع الله تبارك وتعالى، ونكثر من ذلك، وأهل الجنة يلهمون التسبيح كما نلهم النفس، فأهل الجنة متعتهم تسبيح الله تبارك وتعالى، فالذاكر يستمتع في الدنيا بذكر الله سبحانه فيمتعه الله عز وجل به في الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.