[تأييد الله لموسى صلى الله عليه وسلم بالآيات وبأخيه هارون دليل على افتقار موسى إلى ربه]
عرفنا أن الله سبحانه أوحى إلى موسى، قال تعالى:{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}[طه:١٣]، فإذا كان الله قد اختاره فلا بد أن يبين الله أن الذي يكلمه هو نفسه سبحانه، وأنه هو الذي يؤيده بمعجزات، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يلقي عصاه، قال تعالى:{فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}[طه:٢٠]، وأمره الله أن يدخل يده في جيبه، قال تعالى:{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}[النمل:١٢]، وهذه معجزة أخرى، قال تعالى:{لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى}[طه:٢٣] أي: نريك الآيات العظيمة الكبيرة التي تقر بها عينك ويطمئن بها قلبك.
قال الله سبحانه وتعالى:{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}[القصص:٣٢]، أي: فإذا خفت يا موسى فاضمم جناحك إليك، واضمم يدك إلى صدرك، يذهب الله عز وجل عنك ما تعانيه من خوف، {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ}[القصص:٣٢] أي: آيتان قويتان من عند الله سبحانه إلى فرعون وملئه؛ لكي يعرفوا بهما الحق الذي أنت عليه، ثم قال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[القصص:٣٢] أي: خارجين عن طاعة الله.
وقال موسى متعللاً ويطلب من الله عز وجل التثبيت أكثر:{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}[القصص:٣٣ - ٣٤].
هنا تعلل موسى بعلتين، لا ليترك الرسالة، ولكن ليعينه الله سبحانه، وليثبته، فهو يعترف بالضعف وبالعجز، وأنه محتاج إلى الرب سبحانه وتعالى ليعينه، فحري بالإنسان الذي يتوسل إلى الله ويتضرع إليه بعجزه أن يعينه الله سبحانه وتعالى، فالإنسان الذي يقول: يا رب، فإن الله معه؛ لأن الله يستحيي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفراً، فموسى دعا ربه سبحانه وهو في مدين قال تعالى:{فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص:٢٤]، فانظروا إلى أدب سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فهو يتأدب في طلبه مع الله سبحانه، فمعنى قوله: يا رب، أنت أنزلت إلي خيراً كثيراً وأنا مفتقر إلى هذا الخير الذي أنزلت.