[تفسير قوله تعالى: (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب)]
قال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر:٣٣].
هذا فضل الله سبحانه وتعالى، أدخلهم جناته: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} وقراءة الكل ((جَنَّاتُ)) بضمها، وإن كان في غير القرآن يجوز أن تكون مفعولاً مقدماً على الاشتغال تكون: (جناتِ عدن) لكن في القرآن ليس فيها إلا قراءة واحدة فقط: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ)) ((يَدْخُلُونَهَا)) أي: يدخلهم الله سبحانه وتعالى هذه الجنة.
يقول: ادخلوا الجنة جزاءً بما كنتم تعملون، فيدخلون الجنةَ، وقراءة الجمهور: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)) [فاطر:٣٣]، وقراءة أبي عمرو: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يُدْخَلُونَهَا))، أي: يدخلهم الله سبحانه وتعالى هذه الجنات.
والجنة بمعنى البستان، والجنات عند الله سبحانه بساتين عظيمة جداً لأصحابها أهل الجنة، درجات بعضها فوق بعض، وعدن بمعنى إقامة دائمة، ومنها المعدن، لكونه مقيماً في داخل الأرض باستمرار: الذهب، والفضة، والحديد، وغير ذلك من معادن الأرض.
قال: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ)) أي: جنات إقامة دائمة لا يخرجون منها أبداً، ثم قال: ((يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ))، لقد حرم الله على الرجال الذهب في الدنيا فلم يلبسوه فاستحقوا أن يلبسوه في الجنة، وكذلك حرم على رجالهم الحرير في الدنيا فلم يلبسوه فلبسوه في الجنة.
فقوله: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ))، والذهب يسمى في الدنيا ذهباً وفي الجنة ذهباً، ولكن هناك فرق بين ذهب الدنيا وذهب الجنة، هذا ذهب يذهب، وذاك ذهب معدن باق عند الله سبحانه وتعالى.
هذا المعدن العظيم الذي ذكره لنا تبنى منه القصور في الجنة لأهل الجنة في الجنات، لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام، في هذه القصور غرف يرى ظاهرها من باطنها، ويرى باطنها من ظاهرها، هذه الغرف مبنية من ذهب ومن فضة، ذهبها لم يغط ما بداخلها؛ لأنه غير ذهب الدنيا.
ثم قال: ((وَلُؤْلُؤًا))، أي: يلبسهم، ويحليهم الله سبحانه وتعالى اللؤلؤ، وهذه تقرأ بالنصب، وتقرأ بالجر، وتقرأ مهموزة وغير مهموزة، {َلُؤْلُؤًا} [فاطر:٣٣]، فيقرؤها نافع، وأبو جعفر، وعاصم (لؤلؤاً) بالنصب فيها، على الخلاف في الهمزة التي فيها.
فيكون المعنى: ويحلون لؤلؤاً على أنها مفعول لهذا الفعل (يحلون) وباقي القراء يقرءونها: ((وَلُؤْلُؤٍ)) بالكسر يعني: يحلون من ذهب وَلُؤْلُؤٍ ونافع، وحفص عن عاصم يقرأان: ((وَلُؤْلُؤًا))، بالهمز وبالنصب فيها، أما شعبة عن عاصم وأبو جعفر أيضاً فيقرأانها: ((وَلُوْْلُؤًا))، بالنصب فيها، وبعدم الهمزة الأولى، يعني: بنقل الهمزة الأولى.
أما باقي القراء فيقرءونها بالكسر كما ذكرنا: ((وَلُؤْلُؤٍ)) ولكن أبا عمرو يحذف أيضاً الهمزة الأولى فيقرأ: ((وَلُوْلُؤٍ))، وإذا وقف عليها هشام فإنه يقرؤها: ((وَلُؤْلُو))، وإذا وقف عليها حمزة فإنه يقرؤها: (وَلُوْلُوْ).
فقوله: ((يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)) فالإنسان في الجنة يلبس الحرير ويحلى من أساور من ذهب، ويلبس اللؤلؤ، وينادى على أهل الجنة: (يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً).
فأهل الجنة في نعيم مقيم، {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:٣٨]، كذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر واقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧]).
قوله تعالى: ((وَلِبَاسُهُمْ)) أي: ثيابهم، ((فِيهَا حَرِيرٌ)) من يصنع لهم ثياب في الجنة؟ لا توجد مصانع في الجنة تصنع، ولكن هناك شجرة تنبت في الجنة تخرج منها ثياب أهل الجنة.
فالله عز وجل يعطيهم ما لم يتخيلوا أبداً من فضله سبحانه وتعالى، ويعطيهم ما هو فوق ذلك، حيث ينادي على أهل الجنة: (يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا، فيقول: أفلا أعطيكم خيراً من ذلك؟ يقولون: وما خير من ذلك؟ فيقول: اليوم أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعدها أبداً) فأعظم ما أعطاهم الله سبحانه أن رضي عنهم سبحانه وتعالى، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، وأن يرضى عنا، وأن يجعلنا من عباده المصطفين الأخيار، أهل الإحسان الأبرار.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.