[معنى قوله تعالى: (ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء)]
قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} [الزمر:٦٩]، جاء الأنبياء وجاء الشهداء حتى يفصل الله عز وجل بين العباد، وجيء بالنبيين، (جيء) قراءة الجمهور هكذا، وهذه الصيغة مبنية للمجهول في أصلها والمعنى: أتي بهم، ولبيان أنها مبنية للمفعول يقرؤها هشام والكسائي ورويس بإشمام الكسرة، أي: فيها ضمة (جيء)؛ لبيان أنهم أتي بهم، وليسوا هم الذين جاءوا.
وقراءة الجمهور (بالنبيين)، وقراءة نافع: (بالنبيئين) يعني النبوءة، فالنبي منبأ يعني مخبر بأشياء من الغيب، أطلعه الله عز وجل عليها من هذه الكتب التي نزلت من السماء، وأطلعه الله سبحانه على بعض ما يكون من علامات القيامة، وما يكون في يوم القيامة وغير ذلك.
{وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} [الزمر:٦٩] أي: يوم القيامة وأتي بهم.
قال: {وَالشُّهَدَاءِ} [الزمر:٦٩]، وذلك كما قال تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:٢١] أي: سائق يسوقها وهو الذي يكون من الخلف يدفعها أن احضري لهذا المكان.
وهناك فرق بين السائق والقائد، فالقائد يكون في الأمام يمشي والمقود وراءه، وأما السائق فيكون في الخلف، وهذا موقف فظيع مفزع، فالسائق يأتي الإنسان ويقول: تحرك وامش وتقدم إلى حسابك! إذاً: أتت كل نفس ومعها سائق، ومعها أيضاً شهيد، وهو الملك الموكل بحفظ هذه النفس وبكتابة أعمالها؛ ليشهد عليها يوم القيامة.
فهذا واحد من الشهداء الذين يكونون يوم القيامة.
ومن ضمن الشهداء أيضاً هذه الأمة الذين كانوا عدولاً، فشهدوا للأنبياء السابقين، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذه الأمة تشهد على تبليغ الرسل السابقين لقومهم، فيسأل الله عز وجل الأمم السابقة: هل أتاكم من نذير؟ يقولون: ما أتانا من نذير، فيكذبون على رسل الله عليهم الصلاة والسلام! فالله سبحانه تبارك وتعالى يسأل الرسل: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم، فيقول: من يشهد لكم؟ ولا شك أن الله سبحانه خير حافظاً وخير من يشهد سبحانه وتعالى، ولكن ليبين فضيلة هذه الأمة، فيستشهد الرسل بهذه الأمة، فتشهد أمتنا للأنبياء السابقين.
ونحن في هذه الأمة نشهد ونحن لم نر هؤلاء الأنبياء، ولكننا نشهد بتصديقنا لكتاب الله عز وجل الذي قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود:٢٥]، فالقرآن قد أخبرنا أن الله أرسل نوحاً إلى قومه وأنه لبث فيهم يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وأنه دعاهم ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، فلم يستجيبوا، فأهلكهم الله فتشهد أمتنا بذلك.
فهذه الأمة فيها الشهداء الذين يشهدون على تبليغ الأنبياء والرسل السابقين لأقوامهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يشهد علينا عليه الصلاة والسلام، قال الله سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:٤١].
وصنف ثالث من الشهداء، وهم الذين يقتلون في سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، وهؤلاء الشهداء هم الذين جاهدوا في سبيل الله فقتلوا في سبيل الله، قال الله عنهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:١٦٩].
وأيضاً الشهداء من هذه الأمة هم عدول هذه الأمة، وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).
فحتى تكون من ضمن الشهداء يوم القيامة، الذين يشهدون وتقبل شهادتهم، فلا تعود لسانك على لعن الخلق، ولا تدعو على أحد باللعن، ولا تعود لسانك على الكذب، فإن الإنسان الذي يكثر من اللعن ويكذب لا يستحق أن يكون شفيعاً أو أن يكون شهيداً يوم القيامة.
إذاً: الشهداء هم جملة من ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى، وجملة من جاء في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.