للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)]

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} [لقمان:٢٩] فمن خلقه العظيم البديع أنه يولج أي: يدخل الليل في النهار، {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [لقمان:٢٩]، فهذه قدرة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، وهذه تعبيرات دقيقة في كلامه سبحانه وتعالى، وقد جاء هذا القرآن على النبي صلوات الله وسلامه عليه والعرب لا يفهمون أن يقال لهم: الأرض كالكرة، ولو قيل لهم ذلك لم يصدقوا هذا الشيء، ولسان حالهم: كيف تكون كرة ونحن نراها مبسوطة أمام أعيينا؟ هذا بعيد.

والكتب التي نزلت على أهل الكتاب من عند رب العالمين قد حرفت، ولا يذكر فيها أن الأرض كروية، فيجيء أهل الكتاب ويكذبون ويقولون: الأرض ليست كروية، ويجيء العرب ويقولون: نحن لا ننظر هذا الشيء، والتعبير القرآني لا يقول: الأرض كرة، ولكن يسوق لنا آياته لتفهم، وكلما جد قرن من القرون كلما جاء أناس وفهموا ما لم يفهمه السابقون، ووجدوا في هذا القرآن الدليل على صدق ما يقول الله سبحانه، وكلما اكتشفوا شيئاً وجدوه في القرآن، وذلك في تعبيرات عظيمة من كلام رب العالمين سبحانه تصدق الأولين ولا تخالف ما وجده واكتشفه المتأخرون، بل يجدون ذلك الذي اكتشفوه في كتاب ربهم سبحانه وتعالى.

وهنا آية من آيات الله سبحانه يقول فيها: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}، وفي آية أخرى يقول: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس:٣٧]، وفي آية أخرى يقول: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس:١ - ٣]، وفي آية أخرى يقول: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٤٠]، وفي آية أخرى يقول سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان:٦٢].

فالذي ينظر إلى هذه الآيات يرى أن الأرض بحسب هذه التعبيرات جميعها لا تكون إلا كرة، ومن المستحيل أن تكون ثابتة، فلا بد أنها تتحرك في هذا الكون، فينتج عن حركتها الليل والنهار، ولا بد أن يخلف أحدهما الآخر، وليس معنى ذلك أن يأتي الليل والنهار، بل هم مع بعض في وقت واحد يتعاقبان، فهذا يخلف هذا، وهذا يخلف ذاك، وهذا ينسلخ من هذا، والآخر ينسلخ منه، فالتعبيرات القرآنية جميعها تدل على أن هذه الأرض عبارة عن كرة في هذا الفلك الدوار الذي خلقه الله سبحانه.

قال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:٣٨]، والأرض تدور في هذا الفلك حول الشمس، الشمس مع مجموعة تجري في هذا الكون، فالأرض تدور حول نفسها، وتجري في هذا الكون بقضاء الله عز وجل وقدره سبحانه، ويجيء الليل والنهار ويتعاقبان فيها كما يشير الله سبحانه وتعالى بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}، فالأرض هي بشكلها الكروي، يأتيها الليل ثم يدخل فيه النهار، والنهار يأتي على منطقة أخرى، ويسلخ الليل خلفه، يقول العلماء: إن الكون كله مظلم، إلا المنطقة التي من الأرض المقابلة للشمس، وهي الغلاف الخارجي الذي خلق الله فيه أشياء تعكس ضوء الشمس على هذه المنطقة فقط، فالقشرة الخارجية من الأرض حين تقابل الشمس إذا بالشمس تتضح عليها.

وانظر إلى التعبير الدقيق في قوله سبحانه: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس:٣]، فالذي لا يفهمه قد يقول: إن الشمس هذه تجلي النهار، وتوضحه، والعجيب أن التعبير القرآني يدل على أن النهار يجلي الشمس؛ لأن النهار عبارة عن غلاف رقيق حول الكرة الأرضية، فيه أتربة، وأشياء دقيقة، فإذا واجه الشمس انعكست عليه وظهرت الشمس في هذا المكان، فهو الذي يجليها، ولذلك هذا الغلاف نفسه عندما يتحرك مع حركة الأرض يكون بعيداً عن الشمس، فلا تظهر الشمس في هذا المكان وإنما يظهر الليل الذي حوله، ولذلك فالمراكب والسفن الفضائية عندما تخرج خارج غلاف الأرض يجد من بداخلها أن الكون كله مظلم، وكأن هذا الغلاف هو الذي وضح الشمس بداخل الأرض، فإذا خرجوا عنه يرون كوناً مظلماً.

قال الله سبحانه: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس:٣٧]، فالكون كله ظلمة ليل، والجزء المواجه للشمس -وهو الغلاف الجوي- يظهر هذه الشمس فتنعكس عليه فيأتي النهار، فإذا دارت الأرض إذا بها تتحرك ويبتدئ المكان يظلم شيئاً فشيئاً إلى أن يصير ليلاً مظلماً، والجزء الآخر المواجه لهذه الشمس مضيء، ولا يزال الأمر على ذلك، يخلف أحدهما الآخر، فالأرض تدور حول نفسها، ويكون الليل في المكان البعيد عن الشمس، والنهار في الوجه المواجه لهذه الشمس، ولا يزال الأمر هكذا، فقد جعل الله تعالى الليل والنهار خلفة، أي: يخلف أحدهما الآخر.

قال الله تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٤٠].

<<  <  ج:
ص:  >  >>