وفي قوله سبحانه:{لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ}[النور:١١] قراءتان: قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة وأبي جعفر: (لا تحسَبوه) بفتح السين.
وباقي القراء:(لا تحسِبوه شراً لكم) بالكسر.
والمعنى: أن مثل هذا البلاء الذي قد يرمى ويلقى على إنسان في الدنيا ليس بالشر للإنسان طالما كان من وراءه الأجر عند الله، فيصبر الإنسان المؤمن على ذلك.
قال تعالى:{بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور:١١]، أي: وإن كان في ظاهره أنه مصيبة ولكن فيما عند الله عز وجل فيه أجر، فلذلك قال:{هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور:١١]، يعني: فيما تنتظرون من أجر عند الله عز وجل، وأيضاً في الدنيا من تمحيص واختبار وتمييز الخبيث من الطيب، فينتبه الناس من هذا الإنسان الخبيث، ويحذرون شر مثل عبد الله بن أبي ابن سلول في المؤمنين.
قال الله سبحانه:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ}[النور:١١] يعني: إلا أن يتوب الإنسان ويقام عليه الحد؛ لأن الحدود كفارات للذنوب.
قال تعالى:{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}[النور:١١] وكأن كثيراً قد تكلموا لكن الذين اشتهر أمرهم أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد عليهم، وأما غيرهم فلم يحصل لهم شيء ولعلهم حكوا الكلام فقط.
وهذا الرجل لم يقم عليه الحد تأخيراً له ليوم القيامة، ووصفه بأنه {َالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}[النور:١١]، وفي ذلك قراءتان: هذه قراءة الجمهور.
وقراءة يعقوب ((والذي تولى كُبره منهم))، والكبر من الأمر معناه: عظيم الأمر وأعظم الجرم في ذلك فهو أول من قال بالمقالة الذي ذكرناها والباقون رددوا ذلك، فمن عرف منهم أقيم عليه الحد، والله عز وجل يبسط يد التوبة لمن يتوب إليه سبحانه، فقال:{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:١١]، يعني: أن الحد لا يكفي لتطهيره؛ لذلك لم يقم عليه في الدنيا، ويدخر له العذاب العظيم ليوم القيامة.