قال الله تعالى:{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الجاثية:٢٦] ليس الدهر الذي يحييكم ويميتكم، ولكن الله عز وجل هو الذي يفعل ذلك، فلما ذكر قولهم:(الدهر) أخبر الله أنه هو الذي يفعل ذلك، فهو يبين أن الدهر شيءٌ والله شيء آخر، فقول الله في الحديث القدسي:(أنا الدهر) ليس معنى ذلك: أن من أسمائه الدهر، ولكن معناه: أن هذا الدهر الذي تسبونه ما هو إلا أنكم تسبون ربكم سبحانه، قال تعالى:{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ}[الجاثية:٢٦].
فقوله تعالى:((اللَّهُ يُحْيِيكُمْ)) أي: يوجدكم وينشئكم في هذه الدنيا، كنتم عدماً، كنتم لا شيء، كنتم نطفة لا حياة فيها فصرتم أحياء، ثم بعد الحياة تموتون، قال تعالى:((ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ)) وذلك رداً على قولهم: ((مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)) أي: ليس هناك بعث بعد ذلك، فالله عز وجل ردَّ عليهم بقوله سبحانه:((ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ)) والجمع: فيه ما فيه من معنى السوق والحشر، تقول: جمعت الغنم إلى مكان كذا، أي: سقتهم بالعصا يميناً وشمالاً، فلا يستطيع أحد أن يفر أو يزيغ أو يهرب في يوم القيامة، بل يساقون إلى المحشر، ويساقون ((إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ)) أي: لا شك في هذا اليوم، فكلمة (لا) يمدها حمزة -وإن كان ليس هناك همزة بعدها-؛ لتأكيد النفي، فيمدها أربع حركات فقط للتفرقة بينها وبين غيرها، ولتأكيد النفي في ذلك.
يقول تعالى:{لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي: ولكن أكثر الناس لا يوقنون، علمهم علم ظاهر، علموا فلم يدخل العلم في قلوبهم ليدعوهم إلى العمل؛ فلذلك ((أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) فليحذر الإنسان من العمل الخبيث في الدنيا، ومن الشرك بالله، ومن اتباع الهوى، فهو مجموع مع غيره إلى الله عز وجل ليسأله وليحاسبه الله سبحانه على ما قدم وعلى ما أخر.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.