الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد: فقال الله عز وجل في سورة الروم: بسم الله الرحمن الرحيم {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}[الروم:١ - ٨].
بدأ الله سبحانه تبارك وتعالى هذه السورة بهذه البشارة للمؤمنين، وهي أن الروم الذين غلبوا في أدنى الأرض سيغلبون عدوهم من الفرس بعد ذلك، وكان المشركون قد شمتوا بالمسلمين حين بلغ الجميع أن الروم قد هزمت؛ لأن الروم أهل كتاب وهم أقرب إلى المؤمنين من المشركين، وبلاد الفرس عباد نيران، وهم أقرب إلى المشركين ومن أعدى أعداء المسلمين، وفي الآية السابقة يطمئن الله سبحانه تبارك وتعالى المؤمنين أن الغلبة لعباده المؤمنين، وكأن المسلمين حينها كانوا ينظرون في عواقب الأمور ويتوسمون أن أهل الكتاب إذا انتصروا فنحن سننتصر يوماً من الأيام، وإذا هزم أهل الكتاب نظر المشركون إلى المسلمين وقالوا: أنتم أيضاً ستهزمون في يوم من الأيام، فرد الله سبحانه زعم المشركين فقال عز وجل:((غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)).