[تفسير قوله تعالى: (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الحج: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ} [الحج:٦٦].
لما ذكرنا الله عز وجل بنعمه العظيمة في الآيات السابقة، وعقب في كل آية من الآيات باسمين من أسمائه الحسنى دالين على ما ذكر فيها، ذكر بعد ذلك طبيعة الإنسان وما فيه من كفر، وما فيه من جهل، فقال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ} [الحج:٦٦].
فالله عز وجل خلق الإنسان وقد كان لا شيء قبل أن يخلقه سبحانه، فأحياه حياتين، وأماته موتتين.
فالموتة الأولى يوم أن كان عدماً، ثم أحياه الله وجعله إنساناً في هذه الدنيا، ثم أماته الموتة الثانية ليبعثه ويجازيه يوم القيامة، ثم يحييه بعد ذلك.
فالإنسان يمر في حياته بمراحل: مرحلة الطفولة، ومرحلة الشباب، ومرحلة الكهولة، ومرحلة الشيخوخة ثم الموت.
يتقلب الإنسان بين حالي الضعف والقوة، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الروم:٥٤].
فمن المفترض أن الإنسان الذي يرى آيات الله عز وجل في الخلق، وفي نفسه أن يعرف قدرة الله، فيقدر الله حق قدره، قال سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:٩١].
وهنا يذكر سبحانه أنه هو الذي أحياكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم.
أحياكم يوم أن كنتم عدماً ثم كنتم نطفة فجعل فيكم حياةً مستقرة عشتم بها على الأرض، ثم أماتكم وتوفاكم سبحانه، ثم يبعثكم ليجازيكم، فهل عملتم ليوم الجزاء أم كفرتم وجحدتم نعم الله عز وجل عليكم؟ قال: {إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ} [الحج:٦٦] يعني: من طبيعة الإنسان الكفر، والكفر الجحد، والمقصود هنا الجحد لنعم الله سبحانه وتعالى، فمهما أنعم على الإنسان استقل ما أعطاه الله سبحانه، سواء صرح بذلك أم لم يصرح، قال الله سبحانه: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات:٦] أي: كنود جحود كفور، يجحد نعم الله عز وجل، إنها طبيعة الإنسان! قال تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات:٧] يعني: لو أن الإنسان حاسب نفسه لعرف أنه فعلاً يجحد نعم الله عز وجل، فتجد بعضهم يقول: إنني مريض، ولا أملك شيئاً، يشكو ربه تبارك وتعالى! فإذا راجع نفسه وتأمل وقال: الله أطعمني، وسقاني، وكفاني، وأواني، ومنع عني الخلق شرورهم، ورزقني، عرف أنه كاذب فيما ادعى من عدم الملك، وأن الله قد أنعم عليه بالنعم العظيمة.
فقال هنا سبحانه: {إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ} [الحج:٦٦] اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية فقيل: في الأسود بن عبد الأسد.
وقيل: في أبي جهل بن هشام.
وقيل: في العاص بن هشام.
وقيل: في جماعة من المشركين.
ولكن الله عز وجل لم يقصد هؤلاء فقط، وإنما قال: {إِنَّ الإِنسَانَ} [الحج:٦٦] يعني: أن جنس الإنسان فيه هذا العيب أنه يعرف نعم الله، ثم ينكرها كما قال: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل:٨٣].
فينكر نعم الله عز وجل التي أنعم عليه بأي دعوة من الدعاوى كأن يكون خائفاً من الحسد أو غيره.
فيقول الله له: لا تنكر نعم الله عز وجل عليك، ولكن قل: الحمد لله الذي أنعم علي وأعطاني.
وقل: ما شاء الله؛ إن خفت على نفسك من الحسد من غيرك، أو من نفسك.