[تفسير قوله تعالى: (لقد أنزلنا آيات مبينات)]
قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النور:٤٦].
قوله: (لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) هي آيات بينات، وهي مبينات، والآية البينة: هي الآية الواضحة، فأنزل كتاباً واضحاً، وجعل لنا في الكون آيات واضحة لكل ذي عينين وبصيرة، فيبصر ويعلم أن الله خلق هذا عبرة لخلقه ليتفكروا.
(مُبَيِّنَاتٍ) اسم فاعل، والمعنى: أنها مبيِّنة للإنسان فيما يحتاج إليه، وهذه قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف، وباقي القراء يقرءونها: (لقد أنزلنا آيات مبيَّنَات) أي: قد وضحنا ما أشكل عليكم فيها، وهي في نفسها مبَّينة قد بينها الله سبحانه وتعالى، وبينها لنا النبي صلوات الله وسلامه عليه.
قوله: (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، والآيات المبيَّنَة لا يفهمها كل إنسان، ولكن ذلك راجع لأمر قضاء الله وقدره سبحانه، وحكمته وعلمه، فهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وكم يمر الإنسان على آيات من آيات رب العالمين في الكون فينظر إلى الآية ولا يعتبر بها، ويقرؤها ولا ينتبه لها! حتى يقول له إنسان: انظر إلى هذا الشيء فينتبه؛ لعظيم قدرة الله عز وجل على هذا الأمر، وكم من آيات نراها ولا نتعجب لها! فإذا تفكرنا فيها أو دلنا إنسان عليها كأننا لأول مرة نسمع هذه الآية ونرى مقتضاها في الكون الذي أمامنا، فالله عز وجل هو الذي يهدي سبحانه، فمهما استعان الإنسان بغيره فلا يقدر أن يعينه على الهدى إلا رب العالمين سبحانه، فهو الذي يهدي من يشاء إلى دينه القويم وإلى شريعته ومنهاجه.
وكلمة (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فيها إثبات للقضاء والقدر، وأن الله عز وجل من شاء أن يهديه هداه، ومن شاء أن يضله أضله، فإنه سبحانه يهدي من يشاء ويعافي ويعصم فضلاً، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً، فالإنسان الذي يضله الله هذا عدل من الله؛ لأنه يستحق غير ذلك، والإنسان الذي يهديه الله فهذا فضل من الله سبحانه وتعالى يتفضل به على من يشاء.
قوله: (إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الصراط: هو الطريق، أي: إلى طريق مستقيم، وهو طريق شريعة رب العالمين سبحانه.
وكلمة صراط هنا فيها ثلاث قراءات: فتقرأ بالصاد، وتقرأ بالسين، وتقرأ بالزاي المشمة.
فيقرؤها قنبل عن ابن كثير، ورويس: (إلى سراط مستقيم) بالسين.
ويقرؤها خلف عن حمزة بالزاي: (إلى زراط مستقيم).
ويقرؤها باقي القراء: (إلى صراط مستقيم) بالصاد المكسورة.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا، ونعوذ به أن يضلنا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.