[تفسير قوله تعالى:(وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح)]
يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ}[الحج:٤٢] يعني: أنت لست أول رسول يكذبه قومه عليه الصلاة والسلام، فإن يكذبك هؤلاء القوم فقد كذبت قبلهم أقوام: قوم نوح، وقوم عاد، وقوم ثمود، وكل قوم أرسل الله عز وجل إليهم نبيهم ورسولهم عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى الله.
فقد رأينا كيف دعا نوح قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولم يستجب له إلا عدد قليل جداً من هؤلاء الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد، قال تعالى:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:٤٠]، فالذين ركبوا معه السفينة عدد قليل.
وقد نصره الله عز وجل، ونصر من معه من المؤمنين، وأغرق الأرض بمن عليها، فالله سبحانه كأنه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: نحن نصرنا نوحاً ولم يكن معه إلا عدد قليل، ولكنه صبر وثابر فنصرناه في النهاية.
وكذلك عاد، قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}[الأعراف:٦٥] أي: أرسلنا هوداً إلى قومه يدعوهم إلى الله سبحانه، فكذبوه، وقد أنعم الله عز وجل عليهم بالنعم العظيمة، فقال لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:١٢٨ - ١٣٠] يعني: أنهم في غاية القوة والجبروت، وبدلاً من أن يعبدوا ربهم الذي مكنهم استكبروا على خلق الله سبحانه، عصوا وأبوا إلا العناد والاستكبار، فجاءهم عذاب الواحد القهار سبحانه تبارك وتعالى، فإذا به يرسل عليهم حاصباً، أي: ريحاً تقتلع هؤلاء القوم، فجعلهم كأعجاز نخل خاوية.
وكذلك ثمود، فقد أرسل إليهم صالحاً يدعوهم إلى الله سبحانه، فطلبوا منه آية يرونها بأعينهم، وانتقوا هذه الآية، بأن تكون ناقة تخرج ومعها فصيلها، والقصة معروفة، فالله عز وجل أعطاهم هذه الآية، فلم يصبروا لأمر الله، ولم يصدقوا رسولهم عليه الصلاة والسلام التصديق الذي يفترض عليهم؛ لأنهم رأوا هذه الآية، وعرفوا أنها آية من عند الله، ولكن مع ذلك لم يدخلوا في دين هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى حاكياً ذلك:{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا}[الشعراء:١٥٥ - ١٥٧]، فلما عقروا هذه الناقة أخبر الله عز وجل أنهم أصبحوا نادمين، ولم ينفعهم ندمهم، وقال لهم رسولهم عليه الصلاة والسلام:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:٦٥] فهددوا رسولهم إذا لم يأت العذاب بعد ثلاثة أيام، وانتظروا ثلاثة أيام وإذا بالعذاب يأتيهم، فما نفعتهم توبة، وما نفعهم ندم، وأخذهم الله سبحانه وتعالى.
إذاً: قوم نوح عليه السلام أغرق الله عز وجل الأرض جميعها بسببهم، وقوم عاد كانوا في جنوب الحجاز، وقوم ثمود في شمال الحجاز.
وكان الله عز وجل يقول لأهل مكة: تدبروا شمالكم وجنوبكم وجميع الأرض قد أهلك الله عز وجل الكفار، أفلا تعتبرون؟!