يخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وما بعدها عن حال الكفار الذين جحدوا نعمة الله سبحانه وتعالى عليهم، وكذبوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كيف سيكون حالهم يوم القيامة، فيخبر الله عز وجل أنه يشهد عليهم أنفسهم فتشهد عليهم جلودهم وأيديهم وأرجلهم يوم القيامة بما كانوا يخفونه، وبما كانوا يريدون أن يكذبوا على الله عز وجل فيه.
قال سبحانه:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ}[فصلت:٢٢] أي: تستخفون: {أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ}[فصلت:٢٢] أي: ما كنتم لتستطيعوا أن تستخفوا من ذلك، ومن يستطيع أن يخفي الشيء عن نفسه؟ قد تخفي عن غيرك أما عن نفسك فلا، قد ترى أن فلاناً سيشهد عليك إذا عملت كذا، فتختبئ منه وتعمل العمل من ورائه، ولكن أين تختبئ من نفسك؟! كذلك ما كنتم تستحيون من الله سبحانه أن تجاهروه وتبارزوه بالمعاصي، ولكن ظننتم بربكم ظن السوء، فقد ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون.
وقد ذكروا أن رجلاً من ثقيف وختنيه من قريش ربيعة بن أمية وصفوان بن أمية التقوا عند البيت وابن مسعود مختبئ بأستار الكعبة فسمعهم يحدث بعضهم بعضاً يقول أحدهم للآخرين: أترون الله يسمع ما نقول؟ فيجيبه جاهل منهما فيقول: إن الله يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أسررنا، فيكذبون على الله سبحانه وتعالى، فيخبر الله عز وجل {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:٢٢].
وهذا هو الظن السوء الذي أردى أصحابه وأهلكهم فقد ظنوا أنهم سيفعلون ما يشاءون وأن الله لا يسمع ما يقولون أو ينوون أو يعملون.