[تفسير قوله تعالى:(يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة لقمان في وصية لقمان لابنه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ * أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ}[لقمان:١٧ - ٢٠] ذكر الله سبحانه وتعالى وصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، وهذه الوصية عظيمة ينبغي على المسلم أن يتعلمها وأن يوصي أبناءه بمثلها، وأول الوصية: الوصية بتقوى الله سبحانه، وبتوحيده والخوف منه سبحانه وتعالى, قال تعالى:{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}[لقمان:١٣] أي: اتق غضب الله سبحانه في أعظم الأشياء وهو التوحيد، لا تشرك بالله، واجتناب الشرك بالله سبحانه معناه: إثبات التوحيد لله سبحانه وتعالى في العبادة، وعقيدة الإنسان المؤمن أن الله وحده هو الرب الذي يخلق، وهو الإله الذي يستحق أن يعبد، وهو القوي القادر العليم سبحانه، ولذلك أكد هذه المعاني لقمان عليه السلام حين قال لابنه:{لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:١٣]، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[لقمان:١٦].
إذاً: عقيدة الإنسان المؤمن فيها توحيد الله سبحانه وتعالى، وفيها العلم واليقين بصفات الله العظيمة سبحانه وتعالى, وأنه يعلم ما ظهر وما اختفى، ويعلم ما قل وما كثر، ما عظم وجل وما قل، كل ذلك يعلمه الله سبحانه ويقدر عليه، وهذا معنى قول لقمان عليه السلام:(إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتِ بها الله) ولن يأتي بها إلا وقد علم مكانها سبحانه وتعالى، فهنا إثبات العلم لله عز وجل والقدرة، علم لا يخفى عنه خافية، وقدرة لا يحتجب عنه شيء سبحانه وتعالى ولا يمانعه شيء، فإذا كان هذا المثقال الصغير الذي يخفى على كل مخلوق يعلمه الله سبحانه وإن كان مثل حبة الخردل؛ فالله يعلم كل شيء، ويقدر على كل شيء، ولطيف خبير سبحانه وتعالى.
ثم جاء الأمر بأركان هذا الدين العظيم، قال تعالى:(يا بني أقم الصلاة) فيأمره بأعظم أركان هذا الدين بعد التوحيد وهو إقامة الصلاة، ولاحظ هذه الوصية من لقمان التي تخللتها وصية الله لكل عبد بالوالدين إحساناً، قال الله سبحانه قولاً معترضاً في وسط كلام لقمان الحكيم عليه السلام:{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ}[لقمان:١٤] إذاً: لقمان أوصى بعبادة الله، والله أوصى الأبناء برعاية الوالدين.
قال تعالى:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}[لقمان:١٧] فالعبادة أن تصلي لله سبحانه وتعالى، والصلاة كما قال سبحانه في سورة العنكبوت:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت:٤٥] فإذا أقمت الصلاة ونهتك صلاتك عن الفحشاء والمنكر فأنت مهيأ لأن تأمر غيرك بإقامة الصلاة والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وأمر غيرك بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فإذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، تعرضت لإيذاء الناس وللضرر وغير ذلك، فاصبر على ذلك, فإنك لن تأمر بالمعروف وتنجو من الناس وتسلم، ولن تنهى عن المنكر فتنجو من شر الناس، بل لا بد من بلاء في ذلك، ولابد من صبر على ما أصابك، وذلك مما عزم الله عز وجل عليك ومما شدد فيه، قال تعالى:(إن ذلك من عزم الأمور)، أي: من عزائم أمور هذا الدين ومن الواجب في هذا الدين، ومما أمر الله عز وجل به في هذا الدين أمراً مؤكداً، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في ذلك من أمر الله سبحانه الذي أمرك به.